كان يحمل الدكتوراه، ويجسد روح المثقف الحقيقي، حيث كان وزيرًا سابقًا في جزر القمر. إنه الصديق الغالي الدكتور حامد كرهيلا الوزير السابق في جزر القمر الشقيقة. كان يملك شغفًا كبيرًا بجزر القمر، تلك الجزر الساحرة التي تتناثر في المحيط الهندي كأحجار كريمة. شجعني بحرارة على كتابة رواية عن تلك الجزيرة، مستلهمًا من تاريخها العريق وثقافتها الفريدة. أهداني كتابه "من أراضينا المحتلة: جزيرة مايوت"، ليكون لي مرجعًا ومصدر إلهام
في البداية، كانت معلوماتي عن جزر القمر قليلة، بل شبه معدومة. لكنني كنت عازمًا على اكتشاف أسرار تلك الجزر، وبدأت في الغوص في قراءة كل ما يقع تحت يدي. ومع كل صفحة، كنت أشعر أنني أقترب أكثر من جوهر التجربة الإنسانية في تلك المنطقة
مايوت، التي تعني "الموت" بلغة السكان المحليين، كانت تحكي قصة مأساة استعمارية ودمار تاريخي. بينما أقرأ، كنت أكتشف تفاصيل الصراعات القديمة بين القوى الاستعمارية، حيث تسلط الضوء على الصراع بين الإنجليز والفرنسيين، وتاريخ التنافس على السيطرة على إفريقيا. هذه القصص لم تكن مجرد حكايات بعيدة، بل كانت تجارب إنسانية غامرة، تعكس الألم والأمل في آن واحد
أخذتني رحلتي إلى كتابة الرواية في اتجاهات متعددة. كنت أستحضر تفاصيل الحياة اليومية في مايوت، عادات الناس، ولغتهم، وأحلامهم البسيطة. من خلال تلك الشخصيات، حاولت أن أعكس الصراع الداخلي الذي عاشوه بين الانتماء للأرض وواقع الاستعمار القاسي
الكتابة كانت تجربة شاقة، فقد تأخرت الرواية في النشر، ولكن كل لحظة قضيتها في البحث والكتابة كانت تستحق العناء. كنت أعيش مع شخصياتي، أرى العالم من خلال عيونهم، وأشعر بأوجاعهم وآمالهم
أعبر عن امتناني لصديقي الذي منحني هذا الحافز، والذي سيقرأ هذا المقال بالتأكيد فقد كان بمثابة المرشد الذي أضاء لي الطريق. أذكره بكل احترام وتقدير، فهو من ألهمني لكتابة روايتي "جزيرة الموت مايوت". أتمنى أن تكون هذه الرواية جسرًا يربط القارئ بتاريخ عريق وواقع معاصر، ونافذة على عالم لا يزال يعاني من آثار الاستعمار، لكنه يحتفظ بكرامته وإرادته
هذه ليست مجرد رواية، إنها شهادة على تجارب شعوب تألمت وتعلمت، وعلى أمل يُزهر في قلوبهم رغم كل المعاناة. من خلال "جزيرة الموت مايوت"، أُقدم للقارئ دعوة لاكتشاف أعماق تاريخ تلك الجزر، والتأمل في طبيعة الهوية والتاريخ والمقاومة
الإعلامي مصطفى القرنه
رئيس اتحاد كتاب الأردن الأسبق