logo Al-Watwan

Le premier journal des Comores

آداب العالم والمتعلم في القرآن الكريم: الغاية من العلم وواجب المجتمع نحو المعلم

آداب العالم والمتعلم في القرآن الكريم: الغاية من العلم وواجب المجتمع نحو المعلم

الوطن بالعربية |  | ---

image article une
الإسلام يُعْنَى بالغايات؛ لذا بَّين لنا بوضوح غايةَ كل عبادة لنجدَّ في آدائها ونتقنَ عملها، ولم يترك للعقل فرصة التفكير والبحث عن الغاية من التعليم، فذكرها في كلمة واحدة، وما أروعها من كلمة، وما أجمعها للمعاني التي لا تعد ولا تُحصَى، إن الإسلام حينما ذكر الغاية لم يذكر الوظيفة التي يريدها ويرجوها الطالب، لكنه ذكر الصفة التي يجب أن تتصف بها كل الوظائف وكل الأعمال في قوله تعالى: ﴿رُشْدًا﴾ والرُّشد خلاف الغي والضلال، والرُّشد هو الهداية، ألم يمنحه ربنا لخليله إبراهيم في قوله: ﴿ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل﴾، والرشد هو الخير والحق، يقول ربنا: ﴿قد تبين الرشدُ من الغَي﴾ وإذا كان من معاني الرشد الهداية فليهتدِ كلُّ ذي وظيفة بما يعلم أولا، يم ينفث الهداية في نفوس من يتعامل معهم سواء كان طبياً كان أو صيدلانياً أو مهندساً أو معلماً أو ضابطاً أو زارعاً أو تاجراً... أو... الخ.

 

إذًا تمنَّ أن تكون ما تحب بعد تخرجك شريطة أن تستخدم ما علمك ربك في هداية الناس وإرشادهم نحو الخير وغرس القيم في نفوسهم بمكارم أخلاقك، كن أنموذجا يحتذى به وأنت تُعين الضعفاء وتترفق بالفقراء وتتقن عملك وتحافظ على أسراره، وتساهم في رفعة وطنك. لا تجعل همك فقط التربح من وظيفتك، فتزيد معاناة الفقراء، بل خفِّف عنهم ويسر عليهم، فمن يسَّر على المسلمين يسَّر الله عليه

وأخيراً، على المجتمع أن يُنزِّل المعلم المنزلة اللائقة به تبجيلا وتكريمًا، أليس هو من يأخذ بيد أولادنا إلى الخير والفلاح ونور العلم. وأذكر حينما كنت تلميذا في المرحلة الابتدائية أن المعلم كان إذا مر بشارع من شوارع قريتنا وقف له الناس احتراماً وإجلالاً وصافحوه، وأصروا على ضيافته وإكرامه، وكم لمثل هذا التصرف السامي من أثر إيجابي في نفس المعلِّم!

ولقد عرف الخلفاء قديماً للمعلم منزلته فرفعوه إلى المكانة اللائقة به، ومما يذكر في ذلك: ما حُكي عن محمد بن زياد مؤدب الخليفة العباسي الواثق بالله أنه دخل على الواثق يوما فأظهر الواثق احترامه وتقديره وتبجيله وأكثر إعظامه لمعلمه، فقيل له: من هذا يا أمير المؤمنين ؟ قال: هذا أول من فتق لساني بذكر الله، وأدناني من رحمة الله

ورحم الله القائل: قم للمعلم وفِّه التبجيلا *** كاد المعلم أن يكون رسولا

أسأل الله سبحانه أن يوفق ولاة أمورنا ومعلمينا وأولادنا لما يحب ويرضى، وأن يرفع بهم رايات عز أوطاننا، ويعلي بهم كلمة ديننا. آمين

عقاب المعلمِ تلاميذَه

مما لا شك فيه أن الثواب والعقاب مبدأ ديني شرعه ربنا لمكافأة المجيدين ومعاقبة المقصرين، ولو لم يحكم هذا المنهج كل أمور حياتنا لاختل ميزان الحياة. والعقاب في الإسلام ليس مقصوداً لذاته، بل شُرع للتحذير والإصلاح والردع والزجر عن التمادي في الخطأ، وقد أباح العلماء للمعلم أن يعاقب التلميذ المقصِّر بالعقاب الذي يراه مناسباً، بل وأجازوا له ضربه ضرباً غير مبرِّح بعيداً عن الوجه،  وهنا يطرح السؤال المرتبط بآيات سورة الكهف: هل عاقب الخَضِرُ تلميذه ؟ وبم عاقبه ؟

إن الخضر حينا لقي موسى وعرف طلبه بيَّن لموسى أن علمه ليس كأي علم، ولكنه علم لَدُنِّي له ظاهر وباطن، وظاهر هذا العلم قد يكون خطأ وقسوة وظلما يرتكب، لكن باطنه الصواب والرحمة والعدل الإلهي. وأنك يا موسى لن تستطيع الصبر على ما سترى، أنك لا تعلم الحكمة الإلهية منها. وهنا أعلن موسى أنه سيكون عند حُسْنِ ظنِّ معلمه به، وأنه لن يرد أوامره، وكم كان موسى مصيباً حينما علَّق صبره وعدم عصيانه أوامر معلمه على المشيئة ﴿قال ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً﴾

ويبدأ الدرس الأول فيخرق الخضر سفينة المساكين، وهذا أمر في ظاهر الاعتداء على حقوق الناس بغير وجه حق، فأخطأ موسى واعترض على صنيع معلمه، فذكره المعلم بتحذيره، فيعتذر موسى لنسيانه. وينتقل المعلم إلى درس أصعب من الدرس الأول حين لقي المعلم غلاما فيقتله دونما سبب ظاهر، فيصيح موسى معترضاً مستنكراً صنيع أستاذه الذي أزهق روح إنسان بغير حق، وهذا هو الخطأ الثاني، فيذكره المعلم بشدة وحزم بعدم التزامه بما اتفق عليه، فيعتذر موسى تاركا لأستاذه حق فراقه إن أخطأ بعد ذلك

ثم مرا بقرية استطعما أهلها البخلاء الذين أبوا أن يقدموا لهما واجب الضيافة، ومع ذلك قام الخضر بمعالجة جدار اليتامى ولم يعجب هذا التصرف موسى فأخطأ واعترض. وهنا كان العقاب. إن العقاب هنا هو الفراق، وهو عقاب مناسب للحالة وللمعلم وللطالب، لكن الدرس المستفاد هنا هو: أن للمعلم أن يعاقب تلميذه. لا يكون العقاب حتى ينبه المعلم التلميذ ويحذره ثلاث مرات. العقاب يكون مناسباً للخطأ أو التقصير. متى أصلح التلميذ خطأه والتزم أمرَ معلمه عامله المعلم كباقي تلامذته وصفح عنه. على المعلم أن يعدل بين تلامذته مدحاً أو ذماً وتشجيعاً دون تأثر بقرابة أو خصومة أو مودة أو زمالة أو جيرة

وختاماً فالقرآن الكريم لم يحدد في آيات سورة الكهف منهجاً دراسياً، لكنه قال ﴿أن تعلمني مما عُلِّمْتَ﴾ وجاء الفعل "عُلِّمتَ" مبنياً لما لم يسم فاعله ليشمل كل فروع العلم التي يحتاجها الفرد والمجتمع في كل زمان ومكان سواء أكانت العلوم دينية أو شرعية أو لغوية أو أدبية أو تاريخية أو رياضيات أو تجريبية... الخ

وليختر كل طالب العلمَ الذي يناسب ملكاته وقدراته وميوله، ولتنفر كل جماعة من الأمة نحو علم يساهمون به في توجيه مجتمعهم إلى الفلاح والخير والرشاد

الدكتور محمود مهدي بدوي

من علماء الأزهر الشريف

والخبير بمركز تحقيق التراث العربي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا

تعليقات