logo Al-Watwan

Le premier journal des Comores

آداب العالم والمتعلم في القرآن الكريم

آداب العالم والمتعلم في القرآن الكريم

الوطن بالعربية |  | ---

image article une
بعد أيام قليلة يولِّي أولادُنا وجوهَهم وعقولهم صوب دور التعليم على اختلاف مراحلها الدراسية يحدوهم الأمل نحو النهل من منابع المعرفة والثقافة والعلم، بغيةَ الحفاظ على أحكام الدين، والمساهمة في بناء الوطن ورفعته والدفع به إلى الأمام، والأخذ بيد أفراده للنهوض بهم خُلقيًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا، وهذه أهداف سامية وغايات عالية، ومقاصد مشروعة وجهود مشكورة.

 

وحتى يتحقق الهدف من العملية التعليمية لابد من ضوابط دقيقة تحكمها، ويدركها جميع أطراف المنظومة، ويكونون على إيمان وقناعة بها، ووعي بأهدافها، والتزام بتحقيقها. ويمكن القول: إن من أهم أركان العملية التعليمية: المعلِّم، والمتعلِّم، والمناهج الدراسية، والغاية من التعلم، وطريقة التدريس

هذه العناصر عُني القرآن الكريم بتقديمها للمتلقين من المسلمين في قالب حواري قصصي لتأنس النفس به، ولتميل إليه، ولتستوعب غايته ومقاصده، وقد ورد هذا الدرس الذي يرسم لكل طرف من طرفَي العملية التعليمية دورَه وواجباتِه وحقوقه في سورة الكهف في قوله تعالى: ﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا * قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا * قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا * قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا * قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا﴾ [الكهف: 65-70]

صفات طالب العلم: قبل الحديث عن سمات المعلِّم سوف أقدِّم نبذةً مختصرة للمعنى الإجمالي لهذه الآيات والتي تعد بمثابة تمهيد للحديث عن عناصر العملية التعليمية. فقد ذُكر أن نبيَّ الله موسى كان يتحدث يومًا في بني إسرائيل، فسأله سائل: هل ترى مِن أهل الأرض من هو أعلم منك يا نبي الله ؟ فأجاب موسى عليه السلام بالنفي

فأراد الله -عز وجل- أن يعلِّم موسى درسًا يتلقاه جميعُ الخلق بعده أنموذجًا يحتذَى به مفاده عدم الاغترار بما أنعم الله على عبده من نِعم، فدائما هناك من هو أكثر منك نِعَمًا، يقول ربنا سبحانه ﴿وفوق كل ذي علم عليم﴾. أخبر الله نبيه موسى أن هناك من غير الأنبياء من هو أعلم منه. فسأل موسى ربه عز وجل: أنَّى لي به ؟ وكيف أجده ؟ فأخبره ربنا سبحانه وتعالى بالمكان وهو "مجمع البحرين" وأن علامة وجود هذا المعلم أن يحمل موسى معه سمكة ميتة، فإذا رُدت إليها الروح وعادت تسبح في الماء فعند ذاك سيكون اللقاء. وواضح مما سبق أن من عناصر العملية التعليمية في قصة سورة الكهف الطالب وهو موسى، والمعلم وهو الخَضِر عليهما السلام، والذي سنبين صفاتِه بعد قليل

فما سمات طالب العلم كما في الآية ؟

يقول ربنا عز وجل: ﴿وإذ قال موسى﴾. إن موسى رسولٌ من أولي العزم، وهو كليم الله، وهو قاهر فرعون، وهو صاحب رسالة وكتاب، كل ذلك لم يشفع لموسى الطالب في محراب العلم أن يُذكر اسمُه مقرونًا بأحد ألقابه، لكن الله -عز وجل- ذكره باسمه "موسى" مجردًا من أي لقب؛ لأنه في هذا المقام تلميذ، والتلميذ تابع لأستاذه، التلميذ أقل علمًا ومنزلة من أستاذه حال طلب العلم، التلميذ أحوج إلى معلمه

هنا يعلَّمنا ربنا أن نخلع ألقابنا وأنسابنا وجاهنا ومكانتنا الاجتماعية والوظيفية ونحن مقبلون على معلمينا وشيوخنا وأساتذتنا، وألا نتظاهر أمامهم بمظاهر الأبهة والتفاخر والتعالي، بل يجب على طالب العلم التحلي بالتواضع والخشوع والخضوع وحسن الإنصات للمعلم وخفض الصوت عند سؤاله

ومن أجمل ما قاله الفاروق عمر -رضي الله عنه- وهو يوصي الرعية: " تعلموا العلم، وتعلموا للعلم السكينةَ والحلم، وتواضعوا لمن تعلِّمون، وليتواضع لكم من تُعَلِّمون، ولا تكونوا من جبابرة العلماء، ولا يقوم علمكم مع جهلكم". فالفاروق يحض الرعية على طلب العلم والتحلي لهذا الطلب بالسكينة والوقار وحسن الأدب، وعظيم الخلق،  والحلم والتواضع

وما أحسن ما تربَّى عليه اثنان من خلفاء بني العباس وهما الأمين والمأمون ابنا الخليفة العباسي الرشيد، وقد كانا صبيين صغيرين يتتلمذان على يد الكسائي اللُّغوي، وفي يومٍ أشرف أبوهما عَلَى الكسائي ليتفقد حال ولديه وهما في درسهما، والكسائي لا يراه، فقام الْكسَائي ليلبس نَعْلَيْه فأسرع الْأمين والمأمون فحمل كلُّ واحد منهما فردة نعل ووضعاها بَين يديه، فَقبَّل رؤوسهما وأيديهما، وَأقسم عليهما أَن لَا يُعاوِدَا ذَلِك أبدًا، والرشيد يرى كل ما حدث،  فَلَمَّا جلس الرشيد مَجْلِسَه مع خاصته ومستشاريه قال لهم: ‌أَيُّ ‌النَّاس ‌أكْرمُ ‌خدمًا ؟ أجاب مَن بالمجلس: أَميرُ المؤمنين أعزه الله تعالى. فقال: بل الْكسَائي؛ يَخْدمه الْأمين والمأمون

إن الأمين والمأمون وهما ابنا خليفة المؤمنين لم يستنكفا أن يحملا نعلَ أستاذهما، ولم يتعاليا على معلمهما بمنزلتهما، بل إن أباهما الخليفة العباسي ليفخر بصنيع ولديه ويحدِّث به، فانظر إلى هذا الصنيع وصنيع كثير من أبناء عِلية أقوامنا اليوم وهم في جهلهم يتعالون على أساتذتهم بجاههم وأموالهم ومناصبهم فهتكوا حرمة المعلم ونالوا من مقامه السامي

ومن صفات موسى أيضًا ما جاء في قوله تعالى: ﴿لا أبرحُ حتَّى أبلغَ مَجْمَعَ البحرين أو أمضي حُقُبًا﴾ حيث تبين لنا هذه الكلمات المباركات وجوبَ سعي الطالب وذهابه إلى حيث يلقى الأستاذ، لا أن يتكبر ويظل في بيته ينتظر حضور الأستاذ إليه إلا لضرورة

وها هو الخليفة العباسي هارون الرشيد على عُلو قدره وارتفاع منزلته يطلب إلى الإمام الشافعي أن يحضر إليه ليعرض علمه. فيقول الشافعي بكل أدب واعتزاز: يا أمير المؤمنين، العلم لا يَأتِي، ولكن يُؤْتَى إليه! فلم يغضب الخليفة، ولم يزدري كلام الشافعي، بل أقره ووافقه. وتبرز كلمات القرآن حزم موسى -عليه السلام- وإصراره على لقاء المعلم، وعدم تخليه عن غايته ومقصده ولو قضى في سبيل ذلك السير أزمنة وأزمنة، ونال منه النَّصَب منالا ومنالا

إن القرآن الكريم لم يكتف بهاتين الصفتين، بل جاءت الآيات بعد ذلك لتؤكد على مجموعة من الصفات التي تحلَّى بها الطالب موسى -عليه السلام- والتي لنا معها موعد في لقاء قادم إن شاء الله

الدكتور محمود مهدي بدوي

من علماء الأزهر الشريف

والخبير بمركز تحقيق التراث العربي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا

تعليقات