logo Al-Watwan

Le premier journal des Comores

أداء الأمانة في الإسلام

أداء الأمانة في الإسلام

الوطن بالعربية |  | ---

image article une
أيها القراء، إن للأمانة مفهومًا واسعًا في ديننا، فهي لا تقتصر على حفظ ودائع الناس فحسب، بل هي كل ما ائتُمن عليه العبد من الحقوق سواء أكانت هذه الحقوق لله تعالى أم للعباد، وسواء أكانت فعليَّة أم قولية أم اعتقادية .فالأمانة تشمل ما عُهِد إلى العبد حفظُه وأداؤه من حقوق الله تعالى، وكذلك حقوق الآدميين.

 

فقد قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي لله عنه: الْأَمَانَةُ أَدَاءُ الصلاة، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَحَجُّ الْبَيْتِ، وَصِدْقُ الْحَدِيثِ، وَقَضَاءُ الدَّيْنِ، وَالْعَدْلُ فِي الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ، وَأَشَدُّ مِنْ هَذَا كُلِّهِ الْوَدَائِعُ. ومعنى أداء الأمانة إلى أهلها: توصيلها إلى أصحابها كما هي من غير بخس أو تطفيف أو تحريف أو غير ذلك. فدلَّ ذلك على أن الأمانة أوسع مما نظُنُّ من قصْرها على ودائع الناس

فمن طفَّفَ في المكيال والميزان أو غشَّ في بيعه وشرائه، فقد خان الأمانة، فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ أَلَّا يَغِشَّ مُؤْمِنًا وَلَا مُعَاهَدًا فِي شَيْءٍ قَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ، وكذلك أولادك أمانة فإن لم تُحسِن تربيتَهم ورعايتَهم فقد خُنْتَ الأمانة، لذلك حفظُ الأمانة وصيانتُها فَضْلٌ عظيمٌ

وإن للأمانة في ديننا شأنًا خطيرًا، ووقعًا عظيمًا، فقد عرض الله تعالى حملها على السموات والأرض والجبال فأشفَقْنَ مِنْ حملها، لأنهن يعلمن عقوبة مَنْ فرَّط في حفظها وأدائها. فهل تصورتم -يا كرام- فظاعة الأمر وشدتَه، السموات على اتِّساعها والأرض على شدَّتِها ورسوخِها، والأرض على صلابتها لم تتحمَّل الأمانة

وأما الإنسان، فقد قيل: إن الله تعالى قرَّب آدم عليه السلام، فقال له: أتحمل هذه الأمانة وترعاها حق رعايتها؟ فقال عند ذلك آدم: ما لي عندك؟ قال: يا آدم، إن أحسنت وأطعْتَ ورعيتَ الأمانة، فلك عندي الكرامة والفضل وحسن الثواب في الجنة، وإن عصيت ولم ترعها حقَّ رعايتها وأسأت، فإني مُعذِّبُك ومُعاقِبُك وأنزلك النار، قال: رضيت يا رب، وتحمَّلها، فقال الله عز وجل: قد حملتكها، فذلك قوله: ﴿وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ﴾. فمن ضيَّع الأمانة ولم يَصُنْها وأدَّاها كما اؤتمن عليها، فهو مُفرِّط بظلمه لنفسه، ومبالغ في الجهل

وحفظ الأمانة ورعايتها من صفات المؤمنين الصادقين، فقد قال تعالى بعد ذكر عدد من صفات المؤمنين الوارثين للفردوس الأعلى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾، أي: إذا اؤتمنوا لم يخونوا، بل يؤدُّونها إلى أهلها، وإذا عاهدوا أو عاقدوا أوفوا بذلك، لا كصفات المنافقين الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آيةُ المنافِقِ ثلاث: إذا حدَّثَ كذب، وإذا وعَدَ أخْلَفَ، وإذا اؤتمِن خان»

وأداء الأمانة سببٌ عظيمٌ لدخول الجنة، فعن أبي الدرداء: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خمْسٌ مَنْ جاء بهِنَّ مع إيمان دخل الجنة، من حافظ على الصلوات الخمس على وضوئهن وركوعهن وسجودهن ومواقيتهن، وصام رمضان، وحج البيت إن استطاع إليه سبيلًا، وأعطى الزكاة طيبة بها نفسُه، وأدَّى الأمانة». فالله الله في الأمانة، وفي الحفاظ عليها وأدائها إلى أصحابها، ولنحذر من خيانتها أو التفريط فيها، فإن عاقبة ذلك وخيمة، عافانا الله وإيَّاكم

وإن الذي ينر إلى حال الناس في زماننا هذا يستغرب عن كيف لا يفرط الإنسان في حقوق الله تعالى؟ يُفرِّط في فرائض الله، من الصلاة والصيام وغيرها، كيف يُضيِّع الإنسان حقوق الناس، ويأكلها بالباطل؟! ألا فليعلم أنه سيؤدِّيها يومًا ما، يوم لا يُظلَم أحَدٌ فيه شيئًا، يوم تُؤدَّى فيه الحقوق إلى أهلها، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتؤدُّن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقادَ للشاة الجلحاء، من الشاة القرناء»، والشاة الجلحاء: هي الجماء التي لا قرن لها

فإياك -أخي الكريم- والخيانة، إذا خانك صاحبك، فلا تقابله بجزاء خيانته، «أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخُنْ مَن خانك». أسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من المؤمنين، لا من الخائنين، ولا المنافقين، وأسأله سبحانه أن يحفظنا وبلادنا من كل مكروه وسوء، وبالله التوفيق

محمد حسين دحلان

باحث في الشريعة الإسلامية

وخطيب في جوامع موروني

تعليقات