يقتلونا في عقر بيوتنا، يورثونا الآلام حتى لمن نحملهم في أحشاءنا هكذا فعل الاحتلال بأم أحمد... هي أم لثمانية أطفال أكبرهم عمرها ستة عشر عاما، وأصغرهم سنتان ونصف. نعم في عام 2002، أطلقت قوات الجيش الصهيوني أثناء الانتفاضة الثانية على بيت يوسف حسين شلبي في مخيم نور شمس من طولكرم القنابل والرصاص مما أدى إلى إصابة بناته الخمس ببعض الطلقات والشظايا، فتصرخ ابنته الكبرى وتنادي على أبيها وأمها بأن ينقذ شقيقاتها، كان الأب يصلي صلاة العشاء، وهو في بيته الصغير الدافئ بالحب دفء الربيع، دفء الجفون المتدفقة من العيون
نزل درجات المنزل التي عتقت بدمائه في ذلك المخيم الذي يقع على تلة مقابلها الحرش الذي تتمركز به مجنزرات الاحتلال، ينادي الأب، يصيح أغيثونا، يطلب الاسعاف وإذ برصاصة الغدر الصهيونية تستقر بقلبه من يد قناص حاقد فيسجى جسده الطاهر على تلك الدرجات ويرتقي شهيدا إلى السموات العلى قبل أن يصل إلى المستشفى
فتقع أم أحمد بنار الزوج المعيل للأسرة ولهيب الأطفال الثمانية وكلهم ينزفون دما بعضهم من الرصاص والآخر من شظايا القنابل،،، يا الله ما أصعب الموقف ما أصعب تلك اللحظات والساعات وبعدها الأيام والسنون. ترك أبو أحمد خمس من الإناث وثلاث من الصبيان، كلهم بعمر الورد وكلهم بعمر الزهر، من يعيل هؤلاء من يقف على تربيتهم من يكون لهم السند والأب من يعوضهم الحنان والأمان
تقول أم أحمد فقدت عماد البيت، بكيت، وعشت الحزن بقلبي، لكن الله أعانني على تربية أطفالي الثمانية، وما يعزيني هو محبة وتآلف الجيران في المخيم. تسرد، كلنا نعيش الفرح ونتألم لبعضنا إن حزن أحد أو فقدنا عزيز، مر سنتان على استشهاد الأب لتتخرج البنت الكبرى من الثانوية العامة بمعدل 98%، وتهدي هذا النجاح لوالدها الشهيد. ويشاء القدر بأن تتزوج وتعيش سنة بحضن الزوج وترزق بطفل، وتحرم بعدها من زوجها عشرون عاما حتى الآن فسنوات السجن بعدها لا تنتهي فما زال الوقت قصيرا أمام نهايتها الأسير البطل محمد
وبهذا تكون فقدت حنان الأب والزوج معا، لكن جمال القصة المؤلمة هو أن حفيد الشهيد يتعلم ويدرس الطب في جامعة النجاح... كم هو عظيم الشعب الفلسطيني، وكم هي عظيمة المرأة الفلسطينية
هي الأم الرؤوم والزوجة القانعة والرفيقة الشريفة والحبيبة الوفية... فمن عيون الفلسطينيين ينبثق النور والأمل. أبناء وبنات أبو أحمد كلهم متعلمين مثقفين ومنهم من تزوج وأصبح لديه أطفال
الإعلامية عبير الشمالي
تلفزيون فلسطين