وعلى الرغم من نقاء السجل الأمنيَ الوطنيَ من أي نشاط ملحوظ للتنظيمات الإرهابية، إلاَ أنَ عولمة التكنولوجيا وثورة الاتصالات، جعلت من العالم قرية واحدة، ينتقل العدوى بين أطرافها مع هبوب الرياح، بحيث لا يكاد ينجو أحد من جرثومة الوباء، الذي اكتسى به وجه الزمان بالدم القاني بما تقترفه الجماعات المتطرفة التي اتخذت من إرهاب الآمنين وقتل النفوس المحرمة سبيلا لتحقيق غاياتها المشبوهة
إنّ دولة جزر القمر هي الدولة الوحيدة التي تحتضن الهوية العربية الإسلامية في إقليم جنوب شرق أفريقيا، ومنافذها مفتوحة على صفحة الماء، وتحظى بموقع استراتيجي هام عند مدخل قناة الموزمبيق، الممرَ الطبيعي لرأس الرجاء الصالح ذات الأهمية الجيوسياسية البالغة، فكانت هذه الدورة الأولى من نوعها من الأهمية بمكان، في حقل تقوية الجوانب العلمية والفكرية، وتجديد أساليب الوعظ والتوجيه لدى القيادات الدينية من الخطباء والدعاة، بما يأذن لهم التزود بالعلم الرصين، وتسلحهم بالفكر الرشيد، ليتمكنوا من قرع الحجة بالحجة، والفكر بالفكر، فلا يفلَ الحديد إلا الحديد، وبما يعزز دورهم المحوريَ في صون الأمن والوئام المجتمعي، ويحول دون التفسيرات المتشددة والتأويلات المنحرفة للنصوص الدينية، التي تعدَ الأرضية الخصبة لمنابت التطرف ونوازع الإرهاب
وإنَ من واجب أمتنا أفرادا ودولا، السعي حثيثا لحماية حمى الإسلام الحنيف، وصونه من التهم الشنيعة التي يلصقها به الأدعياء من أبنائه قبل الألداء من خصومه
إنَ جمهورية القمر المتحدة، حكومة وشعبا، لتفصح عن الفخر والاعتزاز لانتسابها للتحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، وتعرب عن امتنانها لقيادته شكرا وشعرا، بعقد هذه الدورة العلمية، الرامية إلى بناء قدرات خطبائنا، ورفع كفاءة دعاتنا في هذا المجال الحيوي، بما يكفل لهم أداء واجبهم المقدس بكفاءة علمية أكبر وبثقة نفسية أعظم، من أجل تحصين المجتمع القمري من ويلات التطرف ومصائب الإرهاب، التي لا تعرف حدودا بين البشر، ولا تفرَق بين المساجد والكنائس، ولا بين صديق وعدو، إنَ عواقب التطرف والإرهاب أشد خطرا على الناس من مخاطر جائحة (كوفيد-19)، فهذه تقضي على مناعة الأبدان والأفراد، وتلك تنسف مناعة الأفكار والعقائد نسفا، والبون بينهما كالبون بين السماء والأرض
وقبل أن أختم هذا المقال، يتحتم علينا حقا مسحقا، أن نرفع عظيم الشكر والامتنان للقيادة السعودية الرشيدة التي بادرت بحكمتها المعهودة، إلى إنشاء التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، لتكون منصة جامعة لشمل الأمة، لتعزيز التعاون والتكامل بين البلدان من أجل التصدي لوباء العصر، وأخذ التطعيمات اللازمة للعلاج من آثاره ثم الوقاية من أسبابه، ستظل جزر القمر شريكا وفيا للتحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، يدا بيد، فيد الله مع الجماعة، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية
بقلم الدكتور نور الدين باشا
أستاذ مشارك، بكلية الإمام الشافعي، جامعة جزر القمر