logo Al-Watwan

Le premier journal des Comores

الأسر الصورية في جزر القمر… إرث حضاري وتجاري ممتد عبر القرون

الأسر الصورية في جزر القمر… إرث حضاري وتجاري ممتد عبر القرون

الوطن بالعربية |  | ---

image article une
اختتمت أول أمس الاربعاء، أعمال مؤتمر ولاية صور الدولي "البعد التاريخي والحضاري" الذي استمرت فعالياته أربعة أيام (من 7 إلى 10 ديسمبر الجاري) بمشاركة واسعة من أكاديميين وباحثين وخبراء بارزين على المستوى الدولي قدموا خلاله 34 ورقة عمل علمية في محاور المؤتمر. جاء المؤتمر برعاية من الشركة العمانية الهندية للسماد (أوميفكو) والشركة العمانية للغاز الطبيعي المسال وجامعة الشرقية، حيث شكّل المؤتمر منصة علمية بحثية هدفت إلى توثيق العمق التاريخي والحضاري لولاية صور وإبراز إسهاماتها في مختلف المجالات.

 إعداد/ محمد أحمد ممادي  ✍️

وقدّم الباحث القمري والسياسي المخضرم والدبلوماسي المتمرس، الدكتور حامد كرهيلا، ورقة عمل علمية تناولت "الأسر الصورية في جزر القمر ودورهم التجاري والاجتماعي"، وذلك ضمن فعاليات اليوم الثاني للمؤتمر الذي يحتفي بجذور العلاقات العمانية–القمرية وأبعادها التاريخية العميقة. وأكد الباحث في ورقته أن الروابط بين سلطنة عمان وجزر القمر ليست مجرد تواصل عابر، بل علاقة ضاربة في أعماق التاريخ، يعود تاريخها إلى فجر النشاط البحري العماني في المحيط الهندي، حيث كانت سفن العمانيين، وفي مقدمتهم أهل صور، تتجه إلى الجزر الإفريقية للتجارة والاستقرار، حاملة معها القيم العربية والإسلامية، ومؤثرة في تشكيل البنية الاجتماعية والثقافية للأرخبيل القمري

وأوضح الدكتور كرهيلا أن الموقع الاستراتيجي لجزر القمر جعلها محطة رئيسية للسفن العمانية، ولاسيما سفن أهل صور الذين برزوا في الملاحة البحرية والتجارة وصناعة السفن. هذا الوجود الفاعل أسهم في نشأة روابط اجتماعية واسعة، تُرجمت لاحقاً في تكوين أسر عمانية–قمرية حافظت على هويتها العربية والإسلامية عبر الأجيال

وأشار إلى أن العديد من العادات الاجتماعية القمرية الحالية تحمل بصمة عمانية واضحة، بدءاً من أنماط الزواج والمناسبات، وصولاً إلى الفنون الشعبية والزي التقليدي، فضلاً عن انتشار الأزياء العمانية، والحلوى العمانية، والبخور والعطور، إضافة إلى الأسماء العربية ذات الجذور الصورية التي ما تزال شائعة حتى اليوم

نماذج من الأسر الصورية في الأرخبيل

وتطرقت الورقة إلى عدد من الأسر العمانية الصورية التي استقرت في جزر القمر، مؤدية أدواراً بارزة في التجارة والمجتمع والإدارة، من بينها: أسرة الغيلاني، أسرة المخيني، أسرة السقاف، الدهمشي، أسرة العريمي، أسرة العلوي، أسرة الجنيبي، أسرة الهشامي، وغيرها من الأسر التي أثرت المشهد الاجتماعي والاقتصادي القمري عبر عقود طويلة. وأكد الباحث أن هذه النماذج ليست حصراً، بل أمثلة على حضور عماني واسع ومؤثر، شكل جزءاً أصيلاً من النسيج الاجتماعي في جزر القمر

وسلّطت الورقة الضوء على الدور التجاري الريادي لأهل صور، خاصة خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وبداية القرن العشرين، حين كانت السفن العمانية تشارك في حركة التبادل التجاري للبهارات والقرنفل والعاج والزيوت والفانيليا وجوز الهند وغيرها، مما وضع جزر القمر في بؤرة اهتمام الدول الكبرى آنذاك. وأوضحت الورقة أن رجال الأعمال العمانيين من أهل صور كانوا من كبار ملاّك الأراضي والعقارات في الجزر، وبرزت آثارهم الاقتصادية في موروني ومتسامهولي وعدد من المدن الأخرى

وأضاف الباحث أن تأثير الأسر الصورية تجاوز التجارة إلى ميادين الثقافة والعادات الاجتماعية، حيث ساهموا في ترسيخ العديد من الممارسات والتقاليد التي تمثل اليوم جزءاً من الهوية القمرية، مثل الزواج الكبير، والمجالس الدينية، والرقصات الشعبية ذات الطابع العماني. كما أسهموا في انتشار اللباس التقليدي العماني، والذهب والمجوهرات، والحناء، والعطور، إلى جانب التأثير اللغوي الواضح في مفردات الإدارة والسياسة

حضور سياسي وإداري رفيع

وأبرزت الورقة الأدوار القيادية التي تقلدها عدد من أبناء الأسر الصورية في تاريخ جزر القمر، منهم: الشيخ خليفة بن سعيد مكشن المخيني: أول رئيس لولاية مبودي. الشيخ أحمد بن جمعة الغيلاني: شغل منصب رئيس الحكومة القمرية إبّان الحقبة الاستعمارية. علي بن ناصر الغيلاني: وزير المالية ومدير مكتب رئيس الجمهورية. محمد بن خليفة الدهام: محافظ البنك المركزي. الدكتورة فاطمة بنت راشد مبارك الجنيبي: وزيرة في حقائب متعددة. سيتي فرواة بنت محي الدين: حاكمة جزيرة القمر الكبرى (2019–2024). تركي بن سالم بن خميس: رئيس الاتحاد القمري لكرة القدم لمدة 22 عامًا، حيث ترك بصمة واضحة في تطوير كرة القدم الوطنية، وبجهوده الجبارة وإدارته الرصينة وإنجازاته القيمة، انضمت جزر القمر إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) عام 2005، وافتتاح أول ملعب دولي في البلاد عام 2007. وأكد الباحث أن هذه الأسماء وغيرها تشهد على الدور العماني في تطور الإدارة والسياسة في الأرخبيل منذ زمن بعيد

وفي جانب آخر، أشار الباحث إلى جملة من التحديات التي تواجه دراسة هذا التاريخ، أبرزها ضعف المراجع والوثائق، واختفاء أسماء القبائل مع شيوع استخدام الأسماء الثنائية، إلى جانب غياب جهة قمريّة تعنى بإحياء التراث العماني–القمري، واستمرار محاولات طمس الهوية. ودعا إلى ضرورة تكثيف البعثات التعليمية بين البلدين وتعزيز الدراسات المتخصصة لحفظ هذا الإرث من الضياع

واختتم الدكتور حامد كرهيلا ورقته بتوجيه الشكر إلى حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد -حفظه الله- ومعالي سالم بن محمد المحروقي وزير التراث والسياحة، وسعادة الشيخ هلال بن علي الحبسي والي صور، تقديراً لجهودهم في رعاية هذا الحدث الذي يجسد عمق الروابط بين الشعبين الشقيقين

وتجدر الإشارة إلى أن ولاية صور تقع في شمال الساحل الشرقي لسلطنة عُمان، على بُعد نحو 337 كيلومتراً من العاصمة مسقط. وتمتاز بطبيعة متنوعة تجمع بين الجبال والسهول والسواحل، ما أكسبها مقومات بيئية وسياحية متميزة. كما تشتهر الولاية بمجموعة واسعة من الحرف والصناعات التقليدية، تشمل الزراعة والتجارة وصيد الأسماك وصناعة السفن، إضافة إلى حرفة النسيج وصناعة الخناجر والسيوف

تعليقات