في السنوات الأخيرة، عملت الأمتان الصينية والعربية استرشادا بالدبلوماسية على مستوى القمة على تكريس روح طريق الحرير لبناء "الحزام والطريق"، والدفع بإقامة المجتمع الصيني العربي للمصالح والمستقبل المشترك. في وجه الوباء، تساندت الصين والدول العربية حفاظا على مصلحة الجانبين، مما ساهم في توسيع مجالات التعاون الجماعي بين الصين والدول العربية والارتقاء بعلاقات الشراكة الاستراتيجية بينهما إلى مستوى جديد
منذ حدوث وباء فيروس كورونا المستجد، تعاونت الصين والدول العربية في مكافحة الوباء وتغلبت على الصعوبات المرحلية ودفعت بإقامة مجتمع الصحة المشتركة على نحو معمق. لما كان الوباء يجتاح الصين، أعربت جميع الدول العربية الـ22 وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي وغيرهما من المنظمات الإقليمية عن دعمها للجهود الصينية في مكافحة الوباء. وفقا للإحصاءات غير المكتملة، أعرب أكثر من 60 مسؤولا وعدد لا يُحصى من رجال الأعمال والشخصيات المدنية في الدول العربية عن التقدير للإجراءات الاحترازية الصينية والتشجيع للصين، وهم سجلوا تقديرا عاليا لقدرة الحوكمة الصينية على مواجهة أزمة الصحة العامة، وقدموا الدعم الأخلاقي والمعنوي والمادي الثمين للصين
قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن مصر حكومة وشعبا تدعم الجانب الصيني بكل ثبات، وتثق بأن الجانب الصيني يقدر على هزيمة الوباء على وجه السرعة، وأقر مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية قرارا للتعبير عن التقدير والدعم للجهود الصينية في مكافحة الوباء. كما تبرعت الدول الأعضاء في الجامعة العربية بحوالي 10 ملايين كمامة وقرابة 3.2 ملايين زوج من القفازات و100 ألف لباس واق و65 ألف نظارة واقية إلى الصين
نظم مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية الذي تم إنشاؤه بمبادرة الرئيس شي جينبينغ قبل 3 سنوات، بنجاح 10 دورات دراسية للمسؤولين العرب ودورة دراسية للأحزاب السياسية الصينية والعربية بشأن بناء "الحزام والطريق" بمشاركة 298 مسؤولا على المستوى الرفيع من الدول العربية والجامعة العربية، حيث تبادلوا الخبرات حول الإصلاح والتنمية والإدارة والحكم بشكل مستفيض، وتباحثوا على نحو معمق حول مفهوم إقامة المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك وسبل التعاون في إطار "الحزام والطريق". أثناء تفشي الوباء، بعث المتدربون في الدورات الدراسية برسائل المواساة للتعبير عن ثقتهم الثابتة بالصين لهزيمة الوباء بالاعتماد على ميزة النظام وقدرة الحوكمة
خطوة جديدة لتحويل مفهوم إقامة المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك إلى أرض الواقع عبر التعاون في مكافحة الوباء
يعرف الصديق وقت الضيق. في ظل انتشار الوباء في عدة دول ومناطق العالم، لم تبق الدول العربية الواقعة في منطقة التلاقي بين آسيا وإفريقيا وأوروبا في حالة الأمن بنفسها. لغاية منتصف يونيو، سجلت الدول العربية الـ22 أكثر من 400 ألف حالة مؤكدة، وأكثر من 5000 حالة وفاة. في الوقت الصعب والخطر، لم ينس الشعب الصيني عرفان الجانب العربي، ومد يد العون في اللحظة الأولى لتقديم كل ما في وسعه من الدعم والمساعدة إلى الدول العربية بكافة أشكالها لترجمة مفهوم تشارك المستقبل والتضامن في مكافحة الوباء على الأرض بخطوات حقيقية
أرسلت الصين أفرقة الخبراء الطبيين إلى العراق والسعودية والكويت وجيبوتي والجزائر والسودان وفلسطين وغيرها من الدول تباعا، وقدمت المستلزمات الطبية إلى 20 دولة عربية بما فيه مصر وتونس وقطر والأردن، وساعدت العراق والسعودية وفلسطين على بناء مختبرات فحص الفيروس. في يوم 25 إبريل، تم إنجاز غرفة الفحص بالأشعة المقطعية بمساعدة الصين في بغداد العراقية
أثناء تفشي الوباء، تبادل القادة الصينيون والعرب 23 برقية مواساة، وأجرى الرئيس شي جينبينغ 9 مكالمات هاتفية مع القادة العرب. يولي الجانب العربي اهتماما بالغا للاستفادة من الخبرات والتجارب الصينية الناجعة لمكافحة الوباء، عليه، عقد الجانبان الصيني والعربي 20 جلسة افتراضية لتقاسم الخبرات حول مكافحة الوباء. في عملية مكافحة الوباء، تبادل الجانبان الصيني والعربي الدعم وأجريا التعاون المخلص من خلال التواصل الفعال والمساعدة السخية وتقاسم الخبرات، الأمر الذي يعد نموذجا يحتذي به للتعاون بين الدول النامية.
تقدر الدول العربية تقديرا عاليا جهود الصين ودورها كدولة مسؤولة وكبيرة لدعم مكافحة الوباء في العالم التزاما بمفهوم مجتمع المستقبل المشترك للبشرية. أعرب الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز آل سعود في المكالمة الهاتفية مع الرئيس شي جينبينغ عن شكره للجانب الصيني على تقديم مواد الفحص والمستلزمات الطبية للسعودية، مؤكدا على وقوف الشعب السعودي الدائم والثابت مع الجانب الصيني. أشار أستاذ مساعد للعلوم السياسية في جامعة زايد في أبو ظبي جوناثان فولتون، مستشهدا بمقالة منشورة في جريدة "نيويورك تايمز"، إلى أن الصين أصبحت "رائدة مسؤولة في العالم في أوقات الأزمة العالمية" في خضم التعاون الدولي في مكافحة الوباء
الدول العربية تلتزم بالعدالة والإنصاف، ووسائل الإعلام العربية الرئيسية تقوم بالتغطية الموضوعية والإيجابية حول تطورات الوباء في الصين
في بداية حدوث الوباء، أضيئت المعالم الرمزية في الإمارات ومصر باللون الأحمر، وتضامنت وسائل الإعلام العربية مع الصين بأساليب مختلفة وقامت بتغطية الإنجازات التي حققتها الصين في مكافحة الوباء واستئناف العمل والإنتاج وسجلت تقييما إيجابيا لخروج الصين من مأزق الوباء قبل الآخرين، الأمر الذي يدل على أن الصداقة مع الصين تظل تيارا رئيسيا في الرأي العام ووسائل الإعلام العربية. عندما قامت الولايات المتحدة والغرب بتسييس الإجراءات الوقائية الصينية وربط الفيروس بالصين وإساءة سمعتها، نشرت العديد من الدول العربية مقالات عرضت الإنجازات الصينية في مكافحة الوباء، دفاعا عن العدالة والإنصاف
خلاصة القول، تتخذ وسائل الإعلام العربية الرئيسية موقفا موضوعيا وإيجابيا من تطورات الوباء في الصين، الأمر الذي يتماشى مع الصداقة الصينية العربية، ويساهم في جعل علاقات الشراكة الاستراتيجية الصينية العربية أكثر عمقا وفعالية. في السنوات الأخيرة، لاقى فكر شي جينبينغ الدبلوماسي وتطبيقاته الدبلوماسية قبولا واسع النطاق في الدول العربية. في أعوام 2014 و2016 و2018، قدم الرئيس شي جينبينغ عروضا مهمة حول السياسة الصينية أمام العالم العربي، الأمر الذي أدخل علاقات الشراكة الاستراتيجية الصينية العربية إلى عصر جديد
في مطلع العام الجاري، قام مستشار الدولة وزير الخارجية وانغ يي بزيارة لمصر باعتبارها المحطة الأولى في جولته الخارجية الأولى منذ رأس السنة، حيث التقى مع أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط، الأمر الذي يعكس بجلاء الاهتمام البالغ من الجانب الصيني بتطوير علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين ومصر وعلاقات الشراكة الاستراتيجية الصينية العربية. منذ الدورة الثامنة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي، تكثفت الزيارات المتبادلة الرفيعة المستوى بين الجانبين وتعززت الثقة السياسية المتبادلة باستمرار، وتوسعت مجالات التعاون العملي بين الجانبين، وحقق تقدمات جديدة في مجالات الطاقة والتجارة والاستثمار وتكنولوجيا الفضاء، واستفادت الحضارتان الصينية والعربية من بعضهما البعض وأقيمت فعاليات التواصل الشعبي المتنوعة. إلى جانب ذلك، يساهم التعاون الصيني العربي في مكافحة الوباء في ترسيخ مفهوم مجتمع مستقبل مشترك في قلوب الشعوب العربية
سيواصل التعاون الصيني العربي تحقيق إنجازات جديدة ويرتقي إلى مستوى أعلى
تمت مناقشة الحوكمة الأمنية التقليدية في الدورة الأولى من منتدى أمن الشرق الأوسط في العام الماضي. في السنة الجارية، عملت الصين والدول العربية سويا على مواجهة وباء فيروس كورونا المستجد باعتباره تحديا أمنيا غير تقليدي، مما فتح مجالات جديدة لتوسيع نطاق المصالح المشتركة بين الجانبين، وأثرى مقومات وتجارب التعاون الجماعي بين الصين والدول العربية
كما قاله الرئيس شي جينبينغ إن التاريخ والممارسات قد أثبتت أن الصين والدول العربية ستظل شركاء وإخوة طيبين ودائمين، يتبادلون المنفعة ويتشاطرون السراء والضراء، مهما كانت التغيرات التي طرأت على الأوضاع الدولية، ومهما كانت العقبات التي تعترض الطريق. كما أكدت التجارب الناجحة للتعاون الصيني العربي في مكافحة الوباء مرة أخرى على عمق علاقات الشراكة الصينية العربية في السراء والضراء، وساهمت في تقريب المسافة وتوطيد الثقة المتبادلة وتعميق الصداقة بين الجانبين، مما أرسى أسسا متينة للتعاون بين الجانبين في مجالات أوسع
إن الصين كثاني أكبر اقتصاد في العالم، وفت بمسؤوليتها تجاه قضية الصحة العامة العالمية، وأثبت ما أظهرته من صورة دولة مسؤولة وكبيرة في مواجهة الوباء على أنها تستحق الثقة في مجالات أخرى للتعاون الدولي. نحن على ثقة تامة بأن علاقات الصداقة الصينية العربية ستزداد عمقا ومتانة، وستقبل على آفاق أرحب بفضل التعاون في مكافحة الوباء
بقلم السيد وانغ قوانغدا
أستاذ جامعة الدراسات الدولية بشانغهاي، مدير تنفيذي لمركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية