بقلم الأستاذ محمد حسين دحلان✍️
باحث في الشريعة الإسلامية
وُلد الفقيد في مدينة متسامهولي شمال جزيرة القمر الكبرى في الأول من يناير 1950، وعُرف طوال حياته بصفاته الإنسانية الرفيعة، حيث عاش بين الناس في مودة وسلام، وجعل من خدمة مجتمعه رسالةً متواصلة، مجسدًا قيم التدين وحب الخير والعطاء. رحيل تركي سالم ترك فراغًا كبيرًا في المجتمع القمري الذي يشهد له بمواقفه النبيلة ومساعيه الحثيثة في الإصلاح ونشر روح التكافل
أبو كرة القدم القمرية: يُعرف تركي سالم عند كثير من القمريين بـ "أبو كرة القدم القمرية". فقد كان أحد الركائز الأساسية في انضمام جزر القمر إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، كما ساهم في فتح أبواب التعاون مع الاتحاد الإفريقي لكرة القدم. هذا العمل الوطني منح الرياضة القمرية بعدًا جديدًا، وأتاح للشباب القمري فرصة المشاركة في المنافسات الإقليمية والدولية
والإسلام يعتبر الرياضة وسيلة لتربية النفوس وصقل العقول، وليس مجرد لعب ولهو، بل هو اتباع لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير». و الرياضة، حين تُمارس في إطار الأخلاق والدين، فإنها تصبح وسيلة نافعة لتعزيز الصحة وبناء الأجيال، وتقوية روابط الوحدة الوطنية
رجل سخاء وصدقة: من أبرز ما ميّز شخصية تركي سالم سخاؤه الكبير، فقد عُرف بمساعدة المحتاجين ودعم المبادرات الخيرية. كان يُنفق في سبيل الله دون تردد، إيمانًا منه بأن الصدقة تجلب البركة وتدفع البلاء
والرسول صلى الله عليه وسلم يحثنا على الإنفاق في سبيل الله حيث قال: «اليد العليا خير من اليد السفلى». كما أن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 261]. ويجب علينا أن ننعكس روح التضامن والتكافل التي يدعو إليها الإسلام، كما كان يعمله أخونا تركي سالم
قلبه معلّق بالمساجد: كان المرحوم تركي سالم من رواد المساجد، لا يتخلف عن صلاة الجماعة حيثما كان، سواء في العاصمة موروني أو في مسقط رأسه متسامهولي. وقد خدم عدداً من المساجد وساهم في إعمارها، منها مسجد حاجي في حي أمبسادوير، وجامع البرلمان، وجامع مدينة متسامهولي
وقد جسّد بذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف عن السبعة الذين يُظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: «ورجل قلبه معلّق بالمساجد». وكان أهل الأحياء يشهدون له بحرصه على عمارة بيوت الله وصيانتها، وبأنه كان يجد فيها الطمأنينة والقوة الروحية
مصلح اجتماعي: بعيدًا عن نشاطاته العامة والدينية، كان تركي سالم أباً ومربياً، حرص على تعليم أبنائه أمور الدين، وغرس قيم الأخلاق وحب الأسرة في قلوبهم. ولم يقتصر دوره على بيته، بل كان يُطلب منه التدخل في كثير من الخلافات العائلية والمجتمعية
لقد عُرف بقدرته على الإصلاح وتقريب وجهات النظر، وكان يُستشار في النزاعات بحكمته وحبه للوحدة، حتى صار اسمه مرادفًا للمصالحة والوفاق الاجتماعي. وبذلك جسّد الحديث النبوي الشريف: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟ قالوا: بلى. قال: إصلاح ذات البين
إرث ودعاء: برحيل تركي سالم خميس، فقدت الأمة القمرية رجلاً جسّد معاني الكرم، والإخلاص، وحب الخير. لكن إرثه الأخلاقي، وأعماله الخيرية، وجهوده الاجتماعية ستبقى خالدة في ذاكرة من عرفوه. نسأل الله عز وجل أن يتغمّده بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يجزيه خير الجزاء على ما قدم من أعمال، وأن يرزق أهله وذويه الصبر والسلوان
