logo Al-Watwan

Le premier journal des Comores

القاضي أبو بكر بن عبد الرحمن بن محمد مفواهاي: 1977-2025

القاضي أبو بكر بن عبد الرحمن بن محمد مفواهاي: 1977-2025

الوطن بالعربية |  | ---

image article une
ولد بمدينة مبيني العامرة في 18 أغسطس 1977، أو 1978، في أسرة ذات علم ودين، وتاريخ حافل بالنبل والفضل، فتربى تربية صالحة محافظة، حفظ القرآن الكريم صغيرا، فكان من أبرز المتنافسين في مسابقات حفظ القرآن الكريم، التحق بمدرسة التضامن الإسلامي حتى السنة الرابعة الإعدادية، ثمَ تفرَغ للعلوم الإسلامية والعربية تاركا وراء ظهره المدرسة الفرنسية نهائيا.

بقلم/ الدكتور نور الدين باشا ✍️

الأستاذ المشارك بكلية الإمام الشافعي

تلقى مبادئ العلوم على أيدي علماء مدينة مبيني، وأبرزهم الشيخ محمد مأمون ابن الزبير، فقد لازمه طويلا، وانتمى إلى مدرسته تلميذا ثم معلَما، ومنه أخذ القواعد في أصول الدين وفروعه، وكان  الدكتور أحمد محمد طويل رفيق دربه في تلك المرحلة، وظلا رفيقين مخلصين على درب العلم والخير والدعوة حتى وفاته

في عام 1996، مثَل جزر القمر في مسابقة الجمهورية الإسلامية الإيرانية الدولية في حفظ القرآن الكريم، وكان من الفائزين فيها، وقد ترشَح لها بعد فوزه بالمرتبة الأولى في المسابقة الوطنية في حفظ القرآن الكريم التي أجريت في موروني عام 1996 في عهد الراحل العظيم الرئيس محمد تقي عبد الكريم، طيَب الله ثراه

وفي عام 1997، ظفر بمنحة دراسية في معهد البعوث الإسلامية بالأزهر الشريف، ومنه نال الشهادة الثانوية: (1998-2001)، ثم التحق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بالأزهر (2002-2006)، وحصل منها على درجة (الليسانس) في الدراسات الإسلامية،  وعاد إلى أرض الوطن عام 2007، والتحق بقطاع التعليم الخاص، مدرَسا للغة العربية والتربية الإسلامية  بمنطقة همهامى حتى عام 2010

في عام 2010 عقد قرانه بالمرأة الصالحة "نظرة بنت الشيخ عبد الرحمن محمد صالح"، وهي  من ماجدات جزر القمر، وكانت تتابع دراساتها الجامعية في السنغال، فالتحق بها هناك ليعينها على استكمال دراساتها، واغتناما للفرصة الذهبية، التحق بكلية الآداب، قسم اللغة العربية بجامعة (أنتا ديوب) بدكار، وسجَل فيها لنيل درجة الماجستير في الآداب، وحينما قفلا راجعين حملا معهما ابنتين: عائشة وبها كان يكنى، ورقية وهي الثانية، ودرجة الليسانس لأمَهما. وأثناء وجوده في دكار عمل مدرسا في إحدى المدارس العربية الفرنسية الخاصة، ليحصل منها على ما يستعين به على تدبير حياته في بلاد الغربة

جهوده في الدعوة الإسلامية

أسس في ريعان شبابه (جمعية شباب جماعة المسجد) في عدة مساجد، بهدف تربيتهم على المواظبة على الصلوات، وحضور الدروس الدينية، ونظافة المساجد، والمحافظة على البيئة النقية فيها وفيما حولها

وفي عام 2020، أسس مع رفاقه: "مؤسسة تحفيظ القرآن المجيد وشئون الكتاتيب" وكان أول رئيس لها وظلَ في المنصب حتى وفاته، واستفاد منها كثير من البنين والبنات في حفظ القرآن الكريم، وتعقد المؤسسة حفلات بهيجة سنويا للاحتفاء بهم وتكريمهم، كما طرحت المؤسسة مشروعا لمحو أمية الكبار في حفظ وتلاوة القرآن العظيم، عسى الله أن يكتب لها البقاء والاستمرار والانتشار

وخلال مكوثه في دكار، ضاحية (غول تابيه) كان يعقد في مسجد الضاحية (مسجد غول تابيه) وفي مسكنه أيضا، دروسا دينية مع الجالية الطلابية القمرية في دكار، يفدون إليه من أطراف المدينة ليتلقوا منه العلم والنصائح الدينية، يوصيهم بحسن الأدب في بلاد الغربة والجدَ في طلب العلم واجتناب سفاسف الأمور، ويحثهم على المحافظة على شعائر الإسلام وعلى قيم الإيمان النبيلة. كان من بين الوصايا الذهبية التي كان يقولها لهم: "تعمَقوا في مجال تخصصاتكم، وتزوَدوا بعلوم الدين ما استطعتم، لتعيشوا حياة سعيدة متوازنة

عمله في القضاء الشرعي: 2015-2025

التحق بديوان القضاء الشرعي بمدينة مبيني متدربا بضعة أشهر، ثم عيَن  مساعدا في مكتب قاضي القضاة سيد محمد سيد عثمان بموروني، وفي عام 2015 عين قاضيا لمنطقة همهامي خلفا للقاضي سيد أحمد محي الدين، أدرك سريعا حاجته الماسة كشاب حديث العهد إلى الاستفادة من أهل الخبرة والدراية في مسائل الفقه والقضاء.  عرف عنه متابعته الحثيثة لحسن سير الأعمال اليومية مع الإداريين، يتعاطى معهم بروح الفريق، يتشاور معهم في المسائل الإدارية والقضايا الاجتماعية، فاكتسب محبتهم وتقديرهم، ونال من معارفهم ومن خبراتهم ما أنار به عقله وسدَد حكمته. في آخر رحلة علمية له إلى الخارج، شارك القاضي أبوبكر خلال الفترة من 6-14 أكتوبر 2025، في الدورة القضائية المتخصصة التي شملت 14 قاضيا قمريا، في المعهد العالي للقضاء بالرياض، المملكة العربية السعودية، لتدريبهم على أحدث الأساليب العلمية في حقل القضاء الشرعيَ

لقد اتسم معظم الفترة التي عمل فيها الشيخ أبوبكر قاضيا (2016-2025) بتجاذبات سياسية حادة وبمواجهات ساخنة -ولا تزال- بين النظام الحاكم وأهل مبيني، قومه ومحلَ عمله، ولكنه استطاع بحكمته النأي بالنفس عنها، فوقف مستعليا عليها، فصار الرجل محلَ إجماع بين الفرقاء المتخاصمين، وبات مصدرا من مصادر الأمن والوفاق الاجتماعي والسياسي على المستوى المحلي على الأقل

مناقبه وأخلاقه

ذكر لي كبير المعاونين في ديوانه، علي سيد عبد الله، قائلا: "عملت مع القاضي أبي بكر مدة عشر سنوات، كان متميزا في عمله محتسبا لله فيما يقول ويفعل، ففي عقيدته أنه يتعبَد الله بعمله في القضاء، يرفع به لواء الشريعة، ويعظَم شعيرة من شعائر الله، ولم يعتقد يوما أنَ عمله وظيفة يعيش عليها أو يكتسب منها رزقه

كان ديَنا يحب الخير وأهل الخير، يصل رحمه، كريم النفس سخيَ اليد، محافظا على الصلوات في أوَل وقتها، فيه وقار العلماء وهيبة القضاة، يخفض جناحه لمن حوله من المؤمنين، فكتب الله له القبول والوجاهة بين الناس

وكان رحمه الله يتحرى العدل في أقواله وأحكامه، وقد شهد على عدله ونزاهته سماحة قاضي القضاة سيد محمد سيد عثمان في كلمة له بعد الصلاة عليه حيث قال: "لم أتلق مدة تقلَده لمنصب القضاء أية دعوى محوَلة إلينا، إلا دعوى واحدة كان المدعي والمدعى عليه فيها من ذوي القربى". وكثيرا ما كان يوفق بين المتخاصمين بالتراضي والعفو بينهم وإصلاح ذات بينهم، وبذلك عاش دعامة من دعائم السلم الأهلي والوئام الاجتماعي في منطقته

وذكر فضيلة القاضي سيد أحمد محي الدين أنَ فصل الختام في سجل أعماله أنه سأل عن وقت صلاة العصر، فقيل له: إنَ الوقت قد حان، فأنزل إحدى رجليه من السرير ليقوم للوضوء فلم يستطع إنزال الثانية، وقبض وهو على هذه الحالة،  عصر الخميس 27 جمادى الثانية 1447هـ الموافق 18 ديسمبر 2025، عن (48) ربيعا، ووري الثرى صباح الجمعة، وترك من خلفه ذرية ضعافا سبعة أولاد، خمس من البنات اثنتان منهن تحفظان القرآن الكريم، واثنان من الذكور ثانيهما في الرضاعة، والله يتولانا وإياهم فهو يتولى الصالحين

تعليقات