إعداد/ محمد أحمد ممادي ✍️
خلال الأيام القليلة الماضية، تم رصد ثلاث مجموعات من المهاجرين غير النظاميين على أراضي جزيرة انغازيجا، كان آخرها في منطقة ميتساميهولي شمال الجزيرة. وأوضحت وزارة الداخلية، على لسان الوزير بالنيابة عموري ممادي حسن، أن السلطات تولت رعاية أكثر من 150 مهاجرًا، غالبيتهم من جمهورية الكونغو الديمقراطية
التحقيقات الأولية كشفت أن المهربين خدعوا هؤلاء المهاجرين، وأوهموهم بأنهم وصلوا إلى جزيرة مايوت المحتلة، وهي الوجهة المأمولة قبل التوجه إلى أوروبا. غير أن الحقيقة كانت صادمة لهم، إذ وجدوا أنفسهم على سواحل القمر الكبرى بعد رحلة بحرية شاقة استغرقت نحو خمسة أيام
ورغم مبادرات السكان المحليين لتقديم المساعدة الإنسانية للمهاجرين بتوفير المأكل والملبس، فإن السلطات سارعت إلى التحذير من أي تواصل مباشر معهم لأسباب تتعلق بالصحة العامة، مؤكدة أن بعض الوافدين يعانون من أمراض تستوجب العزل الطبي المؤقت
خلية أزمة وتحركات رسمية عاجلة
في مواجهة هذا الوضع الطارئ، أعلنت الحكومة القمرية عن تشكيل خلية أزمة وطنية برئاسة الوزير القائم بأعمال وزارة الداخلية، وعضوية كبار المسؤولين الأمنيين والعسكريين، بينهم مدير مكتب رئيس الجمهورية المكلف بالدفاع وقائد الدرك الوطني ومدير الشرطة العامة وممثل جهاز الاستخبارات
وعقدت الخلية اجتماعها الأول في مقر وزارة الداخلية يوم الاثنين الماضي لمناقشة التدابير الوقائية العاجلة، من بينها تعزيز الرقابة على الشواطئ الصغيرة التي تشكل نقاط دخول محتملة، وإعادة تنظيم مراكز الإيواء المؤقتة لضمان السلامة الصحية. كما جرى التأكيد على ضرورة وضع خطة بعيدة المدى لمعالجة تدفق المهاجرين في ظل محدودية الإمكانيات اللوجستية للدولة
ورغم الطابع المفاجئ للموجات الأخيرة، فإن الهجرة غير النظامية نحو جزر القمر ليست جديدة. فمنذ نحو خمس سنوات، بدأت مجموعات متزايدة من المهاجرين الأفارقة بالتدفق على الأرخبيل قادمين أساسًا من منطقة البحيرات الكبرى في إفريقيا، لاسيما من تنزانيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وبوروندي ورواندا
تشير التقارير إلى أن نقطة الانطلاق الرئيسية لهؤلاء المهاجرين هي مدينة متوارا الساحلية في تنزانيا، حيث يدفع كل شخص ما بين 2000 و3000 يورو مقابل رحلة بحرية محفوفة بالمخاطر تستمر يومين أو ثلاثة. ويستقل المهاجرون في البداية قوارب كبيرة تتسع لعشرات الأشخاص، قبل أن يتم نقلهم في عرض البحر إلى زوارق صغيرة تُعرف محليًا باسم "كواسا-كواسا"، لإتمام عملية الإنزال على الشواطئ القمرية بعيدًا عن أعين السلطات
ومع تشديد الرقابة على جزيرة أنجوان في السنوات الأخيرة، تحولت وجهات الإنزال إلى جزيرتي موهيلي وانغازيجا، ما صعّب مهمة خفر السواحل القمري في مراقبة الحدود البحرية المترامية الأطراف
في خضم هذه التطورات، أصدر الرئيس غزالي عثمان قرارًا بإقالة قائد خفر السواحل العقيد أزاد أحمد، وتعيين الضابط فهمي حسني النسيب خلفًا له، في خطوة فُهمت على أنها محاولة لإعادة هيكلة المنظومة الأمنية البحرية وتعزيز قدراتها في مواجهة التحديات الجديدة
تأتي هذه الخطوة بعد سلسلة من الإخفاقات في منع عمليات الإنزال غير القانونية، وكذلك بعد حادثة اختفاء مجموعة من المهاجرين الذين نُقلوا من جزيرة موهيلي إلى القمر الكبرى في مارس 2023، في واقعة أثارت تساؤلات حول كفاءة المتابعة الأمنية والرقابية
مغادرة غامضة لمهاجرين من مركز الإيواء
وفي تطور حديث، أعلن وزير الداخلية بالنيابة أن 22 من بين 66 مهاجرًا كانوا يقيمون في مركز مؤقت بالقرب من ملعب سيد محمد الشيخ بمدينة ميتساميهولي، غادروا مكان إقامتهم ليلة الثلاثاء 28 أكتوبر الجاري
شهود عيان أكدوا أن ثلاث سيارات وصلت إلى المكان بعد حلول الظلام، ونقلت المهاجرين واحدًا تلو الآخر، في وجود والي المنطقة. ووفق مصادر محلية، يُرجّح أن المهاجرين غادروا البلاد بعد أن أرسلت عائلاتهم الأموال اللازمة لتأمين رحلتهم، غير أن السلطات لم تكشف رسميًا عن وجهتهم أو طريقة مغادرتهم
ورغم تأكيد الوزير بأن جميعهم "في أمان"، إلا أن الحادثة أثارت جدلاً واسعًا في الأوساط الإعلامية حول مدى قدرة الدولة على إدارة مثل هذه الملفات الحساسة، خاصة مع تكرار حالات الفقدان أو المغادرة غير المعلنة في السنوات الأخيرة
يُرجّح أن كثيرًا من المهاجرين الذين يصلون إلى جزر القمر هم ضحايا لشبكات تهريب عابرة للحدود، تستغل هشاشة الوضع الاقتصادي والأمني في بعض دول إفريقيا الوسطى والشرقية. تلك الشبكات تنشط عبر مسارات بحرية تمتد من السواحل التنزانية إلى مضيق موزمبيق، مستغلة ضعف الرقابة البحرية وتعدد الجزر الصغيرة غير المأهولة التي يصعب مراقبتها
وفي كثير من الحالات، يُترك المهاجرون في عرض البحر أو على الشواطئ دون توجيه أو مساعدة، كما تُسجل حوادث غرق مأساوية بين حين وآخر
تضامن شعبي رغم التحذيرات
في مقابل الإجراءات الرسمية، برزت مبادرات إنسانية من سكان المناطق الساحلية الذين سارعوا إلى مساعدة المهاجرين بتوفير الغذاء والملابس والرعاية الأولية. وقد شهدت مدينة ميتساميهولي مظاهر تضامن واسعة، شاركت فيها نساء من الأهالي في إعداد وجبات الطعام للمهاجرين رغم التحذيرات الحكومية من التواصل المباشر
هذا التفاعل الشعبي عكس البعد الإنساني العميق في المجتمع القمري، الذي لطالما عرف بترابطه الاجتماعي وانفتاحه الثقافي، لكنه في الوقت نفسه وضع السلطات أمام معضلة التوفيق بين واجب الضيافة ومقتضيات الأمن الصحي
تُجمع التحليلات على أن جزر القمر تواجه اليوم تحديًا مركبًا ذا أبعاد إنسانية واقتصادية وأمنية. فالهجرة غير النظامية لم تعد مجرد عبور مؤقت نحو جزيرة مايوت المحتلة، بل أصبحت واقعًا مستمرًا يفرض على الدولة تعزيز أدواتها التشريعية والرقابية
ويرى خبراء أن الحل لا يمكن أن يكون وطنيًا بحتًا، بل يتطلب تنسيقًا إقليميًا واسعًا يضم دول البحيرات الكبرى وتنزانيا وموزمبيق، إلى جانب دعم من المنظمات الدولية كمنظمة الهجرة الدولية والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين. كما يُنتظر من الحكومة القمرية تطوير استراتيجية وطنية للهجرة، تراعي حماية حقوق المهاجرين من جهة، وتضمن أمن المواطنين القمريين من جهة أخرى
أمام تزايد تدفقات المهاجرين، وتنامي نشاط شبكات التهريب في المحيط الهندي، تبدو جزر القمر اليوم على مفترق طرق حساس. فهي مطالبة بإيجاد توازن دقيق بين المسؤولية الإنسانية التي تفرضها القيم والمبادئ، والواجب الأمني الذي تمليه حماية حدودها وسيادتها
وبين ضغط الجغرافيا ومحدودية الموارد، تظل الحاجة ملحة إلى رؤية جماعية تضع حدًا لتكرار المآسي البحرية، وتؤسس لتعاون حقيقي يضمن حياة كريمة للمهاجرين، ويحفظ في الوقت ذاته أمن واستقرار الأرخبيل القمري


 
                         
                                 
                                