الوطن: هل يمكن أن تعطينا فكرة عن تاريخ العلاقات السياسية بين ليبيا وجزر القمر؟
السفير: في البداية نشكر صحيفة الوطن المتميزة التي تقوم بتغطية كافة الأحداث السياسية المهمة والأنشطة الاجتماعية وتزود كل الجهات ما يستجد. ولكن فيما يتعلق بالعلاقات السياسية القمرية-الليبية، فهي علاقات تاريخية ممتدة عبر عقود من الزمن، بدأت منذ السبعينات القرن الماضي وحتى قبل استقلال الأرخبيل، حيث زار وفد ليبي جزر القمر في عام 1973، وذلك لدعم قضية استقلال الجزر في المحافل الدولية والإقليمية، وبالفعل نالت جزر القمر استقلالها في عام 1975، وكان للدعم الليبي دور كبير في هذا الاستقلال، سواء السياسي أو المادي في إجراء الاستفتاء الشعبي لاستقلال الجزر، ومنذ ذلك التاريخ بدأ التطور في العلاقات الدبلوماسية والسياسية
وقامت ليبيا بدعم جزر القمر -منذ ذلك التاريخ- في مختلف المجالات، خاصة في مجال التعليم، حيث دربت وأعدت الكوادر القمرية، كما أهلت العسكريين القمريين. ونحن اليوم نعتز بعلاقاتنا بجزر القمر وشعبها الشقيق، ونفتخر في الوقت نفسه بوجود الكثير من المسؤولين القمريين في الدوائر الحكومية الذين يتحدثون العربية وهم من خريجي ليبيا، وعلى سبيل المثال لا الحصر "سكرتير الدولة المكلف بالعالم العربي لدى وزارة الشؤون الخارجية الحالي، ومدير الأمن الوطني وغيرهما. إن ما يجمعنا بجزر القمر هي أواصر قوامها الجغرافية واللغة والدين والتاريخ
الوطن: باعتباركم سفير ليبيا في جزر القمر، ماذا تعني هذه الدولة بالنسبة لكم، وما هي انطباعاتكم ؟
السفير: نعم جزر القمر تعني لنا الكثير، فهي تمثل امتدادا جغرافيا وثقافيا وحضاريا للوجود العربي والإسلامي في القرن الإفريقي، والإسلام في هذا البلد عريق النشأة، وهي البلد العربي الوحيد التي تقع في المحيط الهندي في الساحل الشرقي الأفريقي، وهي طبعا دولة مهمة جدا، وهبها الله سبحانه وتعالى طبيعة ساحرة جذابة وخلابة، وهي اسم على مسمى كالقمرـ يعني مثل القمر بجمالها وطبيعتها الساحرة، وترى القمر يسطع على كل الجزر على شكل بدر من شدة البياض
وقال بأن "جزر القمر رغم حجمها الصغير إلا أنها لها وجودها الايجابي في المحافل الدولية والاقليمية"، وأن ما يميز هذا البلد هو السلم المجتمعي وترابط الأسر القوي، وكذلك الأمن والأمان التي تشتهر به جزر القمر، ولعل أهم الأشياء هو الاستقرار السياسي الذي ينعم به هذا البلد منذ عدة عقود، ونحن في الحقيقة نشعر بالراحة والاطمئنان بوجودنا في هذا البلد، الذي يتلى فيه القرآن آناء الليل وأطراف النهار قبل كل الصلوات المفروضة، ﴿ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾
الوطن: منذ عام 1995 أصبحت ليبيا أول دولة عربية افتتحت سفارة لها في موروني، ماذا تعني هذه المبادرة على صعيد العلاقات الثنائية بين البلدين ؟
السفير: طبعا، كما ذكرت في السابق عندما تم استقلال جزر القمر 1975، كانت ليبيا أول دولة تعترف بهذا الاستقلال، ودعمت جزر القمر ماديا للانضمام إلى منظمة الأمم المتحدة، وكانت ليبيا أول دولة عربية وإسلامية تفتح سفارة لها في موروني، وهذا بالطبع يعكس مدى عمق العلاقات التاريخية الأخوية والأواصر القوية، ويعني مد جسور التواصل والتنسيق التي تربط الشعبين الشقيقين، ويعكس كذلك تعزيز التنسيق بين البلدين في مختلف القضايا الدولية والإقليمية، وأيضا الرغبة في تطوير هذه العلاقات في مختلف المجالات، لاسيما الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية
الوطن: باعتباركم سفير ليبيا لدى جزر القمر منذ عام 2021، هل يمكن أن تقدم لنا أهم المقترحات لديكم لتعزيز التعاون الثنائي بين البلدين؟
السفير: فيما يتعلق بتعزيز التعاون الثنائي بين البلدين، هذا شيء مهم وهو من واجبنا، ونسعى لتطوير هذا التعاون في مختلف المجالات وتقويتها، وهناك عدة مجالات يمكن التعاون من خلالها. فعلي سبيل المثال في مجال التعليم كالمشاركة في المؤتمرات العلمية والندوات وورش العمل، وكذلك من خلال تبادل الخبرات مع المعلمين، خاصة معلمي اللغة العربية لتعزيز مكانة لغة الضاد في جزر القمر، لأن اللغة العربية هي التي تعبر عن الهوية العربية والثقافة العربية والإسلامية. كما نسعى إلى فتح منح دراسية للطلبة القمريين في مختلف التخصصات، وفي مجال الشؤون السياسية، ويتطلب التنسيق بين وزارة الشؤون الإسلامية بجزر القمر والهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية في ليبيا للمشاركة في المؤتمرات والمسابقات لحفظ القرآن الكريم، كما أن هناك خطوات نحو توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة العدل والشؤون الإسلامية والهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية في ليبيا، يتوقع أن تكون فيه اجراءات عملية في المستقبل القريب
وفي مجال الاقتصاد والتجارة، أوضح السفير الليبي أن هناك فرص للتبادل التجاري بين البلدين وذلك لزيادة حجم الصادرات والواردات فيما بينهما، مشيرا إلى أن جزر القمر تعتبر منطقة مهمة لجذب السياح، لما تتمتع بها من مواقع سياحية جذابة. وقال بهذا الخصوص بأنه يمكن دعوة شركات الاستثمار ورجال الأعمال والمستثمرين الليبيين لزيارة جزر القمر للاطلاع على فرص الاستثمار السياحي، وامكانية إقامة فنادق ومنتزهات سياحية وغيرها من مشاريع البنية التحتية التي تساهم في تقوية السياحة، وكذلك تبادل الزيارات بين البلدين في مجال السياحة. وفي مجال الإعلام والثقافة والرياضة أوضح الونيس أن كل هذه الجوانب هناك امكانية لفتح باب التعاون فيها وتبادل الزيارات وإقامة المنتديات الإعلامية والثقافية والشبابية
الوطن: سعادة السفير، بإمكانكم التحدث عن الدعم الليبي لجزر القمر، وأهم المشاريع التي نفذتها ليبيا منذ أن قامت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين؟
السفير: الدعم الذي قدمته ليبيا لجزر القمر الشقيقة كبير، وخاصة في مجال البنية التحتية التي تمثل أساس التنمية الاجتماعية والاقتصادية في أي بلد، حيث قامت ليبيا بتقديم المنح الدراسية للطلبة القمريين وإعداد وتأهيل الكوادر القمرية في مختلف المجالات المدنية والأمنية، إضافة إلى عدد من المشاريع المهمة والتي تمثلت ببناء مبنى كلية العلوم بجامعة جزر القمر، وهذا مبنى كبير مكون من ثلاثة طوابق يستوعب مئات الطلبة ومكتبة الشيخ الشهداء عمر المختار، كما قامت ليبيا بتمويل حملة التطعيم للأطفال، وحماية الأيتام وغيرها من المساعدات الأخرى في بناء المساجد وبناء الطرق
الوطن: بعد إعادة انتخاب الرئيس غزالي عثمان في 14 يناير الماضي، كيف تصف الوضع الحالي للعلاقات الثنائية بين جزر القمر وليبيا؟
السفير: إعادة انتخاب رئيس الجمهورية، يعبر في الحقيقة -في تقديري- عن مدى ثقة الشعب القمري في قيادة الرئيس غزالي عثمان لهذا البلد، وبهذه المناسبة أكرر التهنئة لفخامته على هذه الثقة لما يتمتع به من خبرة وحنكة سياسية، كما نهنئ الشعب القمري الشقيق على ممارسته الديمقراطية وحرية اختيار من يحكمه. وقد سبق أن نقلت تهنئة أخيه رئيس المجلس الرئاسي الليبي الدكتور محمد المنفي وكذلك تهنئة رئيس مجلس وزراء حكومة الوحدة الوطنية ووزير الخارجية، ونحن كلنا على ثقة بأن العلاقات الثنائية في عهد الرئيس غزالي ستشهد مزيدا من التطور الايجابي في مختلف المجالات الاقتصادية والتنموية والسياسية
الوطن: ما هي انطباعاتكم على ترأس جزر القمر للاتحاد الإفريقي خلال العام 2023 وماذا يعنى لك هذا ؟
السفير: ترأس جزر القمر للاتحاد الافريقي هو حدث مهم جدا، يعكس نجاح الدبلوماسية القمرية وأيضا لما يتمتع به الرئيس غزالي عثمان من خبرة وحنكة سياسية، وما يحظى به من احترام بين القادة الأفارقة. ونشير إلى أنه خلال ترأس الرئيس غزالي للاتحاد الافريقي، شهدت هذه الفترة خطوات إيجابية تمثلت بالمبادرة التي أطلقها فخامته لإحلال السلام في بؤر التوتر وبعض الدول الأفريقية التي اندلعت فيها اضطرابات وحروب، وكذلك مبادرته وجهوده في تقديم حل سلمي لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، ولعل من أبرز الانجازات التي تحققت خلال فترة رئاسته للاتحاد الأفريقي، هي انضمام الاتحاد الافريقي إلى مجموعة العشرين، هذا بالإضافة لجهوده الأخرى في تحقيق التنمية والسلام في بعض الدول الأفريقية. كما لا ننسى موقفه الحقيقي الداعم لقضية الشعب الفلسطيني ومناصرته علنا لهذه القضية ووقوفه مع الاتحاد الأفريقي دعما لقضية الشعب الفلسطيني حتى نيل استقلاله وإقامة دولتهم المستقلة
الوطن: كيف يمكن العمل على تطوير العلاقة بين البلدين وتقويتها والمحافظة على استمراريتها، وما هي مجالات التعاون التي يمكن الاستفادة منها؟
السفير: كما ذكرت سابقا فيما يتعلق بتعزيز العلاقات وتطويرها، فهناك عدة فرص وعدة مجالات يمكن التعاون من خلالها، وعلى سبيل المثال في مجال التعليم من خلال تبادل الخبرات، وفي مجال العلوم والتكنولوجيا وكذلك في مجال الاقتصاد والسياحة وحتى في مجال الأمن فيما يتعلق بتبادل المعلومات الأمنية وتبادل الخبرات وإقامة المشاريع والمشاركة في المؤتمرات والندوات وتبادل زيارات المسؤولين على أعلى المستويات كل هذه المجالات من شأنها أن تعزز العلاقات وتكون بمثابة ضمان لاستمرارية هذه العلاقات وتقويتها
الوطن: سعادة السفير، بإمكانكم التحدث عن الوضع الحالي في ليبيا من الناحية الأمنية والسياسية والاقتصادية، وكيف يمكن الوصول إلى حالة الاستقرار التام في البلاد ؟
السفير: في البداية، طبعا الوضع الأمني في ليبيا الآن في أحسن حالته بمقارنة بالسنوات التسعة الماضية، عندما تعرضت ليبيا للإرهاب وسيطرت الجماعات الارهابية، خاصة تنظيم داعش وانتشرت الجريمة وزادت عمليات الهجرة غير الشرعية كل هذا أثر سلبا على استقرار البلاد وأمنها، وخاض الشعب الليبي في مختلف مناطق ليبيا مواجهة ضد هذه التنظيمات الارهابية المتطرفة وعلى رأسها تنظيم داعش، وبعد عدة سنوات من المواجهة مع الارهاب انتصرت إرادة الشعب الليبي وتم هزيمة داعش، وتمكنت كافة الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة للدولة من بسط سيطرتها على البلاد وتم فرض الأمن وتأمين الحدود وحمايتها من قبل مختلف الأجهزة الأمنية ومن قبل الجيش الوطني الليبي، وانعكست حالة الأمن هذه والتي تعيشها ليبيا الآن على حالة المواطن الذي بدأ يشعر بالأمن والاطمئنان في ربوع البلاد، وانعكس الوضع الأمني وحالة الاستقرار صورة إيجابية حتى الأجانب المقيمين في ليبيا وعادت جميع البعثات الدبلوماسية بالعمل في ليبيا ومباشرة أعمالها من العاصمة طرابلس. ولعل المؤشر الايجابي هو زيارة بعض رؤساء الدول إلى ليبيا خلال هذه الأيام، والتقائهم برئيس المجلس الرئاسي الدكتور محمد المنفي، ونتوقع زيارة عدد من رؤساء الدول الأخرى في المستقبل القريب، وكل هذا مؤشر على حالة الأمن الجيدة في ليبيا الآن. ونحن عندما نقول حالة الأمن في ليبيا نقصد ليبيا كلها، فالمواطن الليبي يشعر بالأمن حاليا
ومن الناحية السياسة، هناك جهود دولية وجهود وطنية تبذل من أجل تحقيق رغبة الشعب الليبي لإجراء انتخابات نزيهة وعادلة وشفافة، ولا يخفى عليكم أن حل الأزمة السياسية في ليبيا ومسألة الانتخابات تتم برعاية الأمم المتحدة بواسطة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة عبد الله باتيلي، وهناك لجنة مشكلة من مجلس النواب ومجلس الدولة أو ما يسمى باللجنة (6+6)، وهذه اللجنة تعقد اجتماعاتها بصفة مستمرة. وكل هذه الجهود الآن سواء الإقليمية والدولية والوطنية تسعى للوصول إلى اتفاق سياسي شامل وتحقيق المصالحة الوطنية العليا حتى تكون الأرضية التي نقف عليها صلبة لضمان اجراء الانتخابات في جو آمن وبحرية ونزاهة وشفافية
أما فيما يتعلق بالناحية الاقتصادية، فيعلم الجميع بأن ليبيا دولة غنية بمواردها الطبيعية -ولله الحمد- وهي دولة منتجة للنفط، ومعدل انتاج النفط الآن بمستواه الطبيعي، ومن المعروف بأنه كلما زاد انتاج النفط يستقر الوضع الاقتصادي ويتحسن الوضع المعيشي وبالتالي ينعكس بشكل ايجابي على حياة المواطن. والوضع الاقتصادي في ليبيا في وضع جيد في ظل ما يشهده العالم من أزمات اقتصادية حادة.
الوطن: في حديثكم عن الجهود الدولية والوطنية لإجراء الانتخابات، فما هي أخر التطورات فيما يتعلق بهذه الجهود لتنظيم الانتخابات في ليبيا ؟ وهل هناك جدول زمني محدد لهذه الانتخابات ؟
السفير: نحن كلنا لدينا أمل، وكذلك الشعب الليبي لديه أمل كبير، بأن تسفر هذه الجهود لتحقيق رغبة الشعب الليبي في الوصول لانتخابات عادلة وحرة لإنهاء المراحل الانتقالية، وذلك بعد التوصل إلى اتفاق مع كافة الأطراف المعنية وتحقيق المصالحة الوطنية، وأن ذلك سينهي الخلافات السياسية لما يكفل اجراء انتخابات حرة وشاملة ونزيهة. ولكن حتى الآن لم يتم تحديد الاطار الزمني لإجراء الانتخابات، ولكن لدينا الأمل أن تسفر هذه الجهود الدولية والإقليمية والمحلية في الوصول على تفاهم حول نقاط الخلاف، وخاصة فيما يتعلق بالقوانين الانتخابية حتى يتم اجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن
الوطن: في حال إجراء هذه الانتخابات، هل سيتم تنظيمها على كامل الأراضي الليبية أم في مناطق معينة فقط ؟
السفير: نعم بكل تأكيد، الانتخابات ستجرى على كل الأراضي الليبية وأن الشعب الليبي لن يقبل بإجراء الانتخابات في مناطق معينة دون مناطق أخرى، الشعب الليبي لن يقبل ذلك أبدا
الوطن: سعادة السفير، كلمة أخيرة في نهاية هذا اللقاء
السفير: في نهاية هذا اللقاء، أجدد شكري مرة أخرى إلى صحيفة الوطن على هذا اللقاء، ونتمنى بأن يسود الأمن والاستقرار في هذا البلد الشقيق وكذلك في جميع أنحاء العالم وأن تنتهي الحروب والصراعات المدمرة، وأن ينتهي الطغيان والاستكبار العالمي، لأن هذه الحروب المدمرة لها انعكاسات سلبية على أمن وسلامة المنطقة كلها، كما نتمنى أن يعم الأمن والأمان كل الدول العربية والإسلامية وكافة دول العالم