ومنذ طوفان الأقصى دمرت إسرائيل بشكل ممنهج القطاع الاقتصادي بما فيه المنشآت والمصانع والمزارع وأسواق الأسماك، مما تسبب في خسائر مالية واقتصادية كبيرة جدا لا يمكن تعويضها بسهولة، ناهيك عن الخسائر البشرية التي لا يمكن تعويضها. وألقى جيش الاحتلال منذ اندلاع عدوانه على قطاع غزة 83 ألف طن من المتفجرات، سقطت معظمها على رؤوس المدنيين متسببة في استشهاد نحو 42 ألفا وجرح قرابة 97 ألفا آخرين، معظمهم من الأطفال والنساء
بحلول يناير الماضي، تسببت الحرب في فقدان نحو ثلثي الوظائف التي كانت موجودة قبل اندلاعها، وفق ما ذكره تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد). ارتفعت نسبة البطالة في القطاع من 45% قبل الحرب إلى 80% بعدها، وفق تقرير لمنظمة العمل الدولية في يونيو الماضي. نسبة الفقر في القطاع -بحسب تقرير أونكتاد- ارتفعت إلى 100%، وقد كانت 50% قبل الحرب، وفق أرقام المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان. تضرر ما نسبته 80% - 96% من الأصول الزراعية في القطاع، بما في ذلك أنظمة الري ومزارع الماشية والبساتين والآلات ومرافق التخزين، مما أدى إلى شل القدرة على إنتاج الغذاء وتفاقم مستويات انعدام الأمن الغذائي المرتفعة بالفعل، وفق أونكتاد. أوضح تقرير أونكتاد أن 82% من الشركات توقفت في قطاع غزة، التي تشكل محركا رئيسيا للاقتصاد، مؤكدا أن الحرب وضعت اقتصاد القطاع في حالة خراب
حولت آلة الحرب الإسرائيلية مناطق وأحياء سكنية كاملة إلى كومة من الركام مستهدفة بذلك المباني والأبراج السكنية والمؤسسات الحكومية والخاصة والمصانع والمعامل والمتاجر، مما أثر بشكل كبير على اقتصاد القطاع. تسبب القصف في تدمير أكثر من 75% من القطاع الإسكاني والمستشفيات والمدارس والكنائس. من أصل 400 ألف وحدة سكنية في القطاع، دمر جيش الاحتلال نحو 150 ألف وحدة بشكل كلي و200 ألف وحدة جزئيا، وقد تسبب في تحول 80 ألف وحدة لأماكن غير صالحة للسكن
هذه المنطقة الجغرافية الضيقة التي تبلغ مساحتها 365 كيلومترا مربعا ويعيش فيها نحو 2.3 مليون نسمة، كانت تعاني قبل اندلاع الحرب من أزمة كبيرة في الإسكان، حيث بلغت نسبة العجز 120 ألف وحدة سكنية حتى مطلع عام 2023. وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي، فإن الجيش دمر 3 كنائس، و611 مسجدا بشكل كلي و214 بشكل جزئي، و206 مواقع أثرية وتراثية، و36 منشأة وملعبا وصالة رياضية. كما دمر 125 مدرسة وجامعة بشكل كامل، و337 بشكل جزئي، فضلا عن تدمير كامل لنحو 201 مقر حكومي، وفق المكتب
تعطيش أهالي قطاع غزة
حتى يونيو الماضي، قدرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) أن 67% من مرافق المياه والصرف الصحي والبنية التحتية في قطاع غزة مدمرة أو متضررة جراء الحرب. وبحسب تقرير لمنظمة أوكسفام في يوليو الماضي، فإن الحرب أدت إلى إتلاف أو تدمير 5 مواقع للبنية التحتية للمياه والصرف الصحي كل ثلاثة أيام منذ بداية الحرب
ووفق بيان مشترك للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني وسلطة جودة البيئة صدر في الخامس من يونيو الماضي، فإن إجمالي المياه المتوفرة في قطاع غزة تقدر بنحو 10% إلى 20% من مجمل المياه المتاحة قبل العدوان. وبذلك تراجعت حصة الفرد الفلسطيني في القطاع من المياه بنسبة 94% خلال الحرب، حيث بالكاد يستطيع المواطن في غزة الوصول إلى 4.74 لترات من المياه يوميا، مقارنة بوصوله لنحو 26.8 لترا يوميا لعام 2022، وفق تقرير سابق للجهاز. وتبقى حصة الفرد الفلسطيني في قطاع غزة ضئيلة بموجب ما أقرته منظمة الصحة العالمية من حق كل فرد في الحصول على 120 لترا يوميا، بما يشمل الاستخدام الشخصي والمنزلي
ويتعمد جيش الاحتلال استخدام التعطيش سلاحا ضد الفلسطينيين في حرب الإبادة، وفق ما أفاد به مسؤولون حقوقيون، وهو ما صنفته أوكسفام ضمن "جرائم الحرب"، حيث يواصل الجيش منع دخول الوقود اللازم لتشغيل محطات المياه المتبقية في القطاع إلا بكميات شحيحة جدا، مما يعيق وصول الفلسطينيين إلى حصصهم القليلة. وأشارت أوكسفام، في التقرير ذاته، إلى أن تدمير البنية التحتية للمياه والكهرباء والقيود المفروضة على دخول قطع الغيار والوقود (في المتوسط خمس الكمية المطلوبة المسموح بدخولها) إلى انخفاض إنتاج المياه بنسبة 84% في غزة، حيث تضررت أو دمرت 88% من آبار المياه و100% من محطات تحلية المياه. وفي السياق، انخفضت الإمدادات الخارجية للمياه من شركة المياه الإسرائيلية "مكوروت" بنسبة 78%
الصرف الصحي وتجويع الفلسطينيين
منذ انطلاق الحرب، بلغت نسبة ما دمره الاحتلال من مضخات الصرف الصحي نحو 70%، فضلا عن تدمير 100% من جميع محطات معالجة مياه الصرف الصحي ومختبرات اختبار جودة المياه، وفق تقرير لأوكسفام. تسبب هذا التدمير الواسع في تسرب مياه العادمة إلى الشوارع وخيام النازحين، حيث تتفاقم هذه المأساة في فصل الشتاء، مما يتسبب في انتشار الأمراض في صفوف النازحين
إلى جانب التعطيش، يستخدم جيش الاحتلال التجويع سلاحا لقتل الفلسطينيين في حرب الإبادة الجماعية التي يمارسها ضدهم في غزة، وسط إدانة أممية ودولية لذلك. ومنذ نوفمبر الماضي، حينما تشكلت ملامح المجاعة التي بدأت في محافظتي غزة والشمال بسبب الحصار المشدد المفروض عليهما، تتواصل هذه الظروف الغذائية الصعبة التي تسببت بموت نحو 36 طفلا بسبب سوء التغذية. وفي يونيو الماضي، قالت الأونروا في بيان إن أكثر من 50 ألف طفل في القطاع بحاجة ماسة إلى العلاج من سوء التغذية الحاد، وذلك من أصل مليون و67 ألفا و986 طفلا دون سن 18 عاما، وفق تقرير للجهاز المركزي الفلسطيني
وتتواصل حلقة التجويع في ظل منع إسرائيل وصول المساعدات الغذائية لقطاع غزة إلا بكميات شحيحة، إضافة لاستهداف المخازن الغذائية التي كانت توجد في القطاع والمخابز وشاحنات المساعدات والجوعى الذين ينتظرون دورهم للحصول على مساعدات. وبحسب تقرير نشرته أوكسفام في السادس من سبتمبر الماضي، فإن 1 من كل 5 أشخاص يعيشون في غزة يواجهون "مستويات كارثية" من الجوع، في حين قال برنامج الأغذية العالمي في يوليو الماضي إن نصف مليون شخص في القطاع يواجهون "مستويات كارثية" من الجوع. وبينما كان يصل قطاع غزة نحو 600 شاحنة محملة بالمواد الغذائية يوميا قبل اندلاع الحرب، تقلص العدد إلى نحو 50 شاحنة أو أقل، في وقت تمنع فيه إسرائيل دخولها في بعض الأيام