بقلم الأستاذ/ محمد حسين دحلان ✍️
باحث في الشريعة الإسلامية
وتأتي هذه المناسبة الوطنية لتذكّر المواطنين، كبارًا وصغارًا، بواجبهم تجاه وطنهم، والدعوة إلى تغليب المصلحة العامة على المصالح الشخصية. كما شدّد المشاركون في الاحتفال على أهمية غرس قيم الإخلاص والانتماء في نفوس الشباب، وتمكينهم من تحمّل مسؤولياتهم في الحفاظ على مكتسبات الأمة القمرية. وهذا هو موضوع مقالنا اليوم
في البداية، نودّ أن نؤكد أنّ مرحلة الشباب هي مرحلة القوّة بامتياز، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ}
فهي مرحلة العطاء وتحمل المسؤولية بكل أبعادها، سواء تعلّق الأمر بالأسرة أو بالعمل المهني، وصولًا إلى المسؤوليات الكبرى في التعليم والاقتصاد والسياسة، للنهوض بالمجتمع وتطويره في مختلف المجالات
إنّ تحمّل الشباب للمسؤولية يتطلب إعدادهم وتدريبهم على اكتساب المهارات والقدرات اللازمة لذلك، لأنّ قوّة الأمة إنما تُقاس بقوّة شبابها، وبما يمتلكونه من مؤهلات علمية وأخلاقية ونفسية
وهذا العمر هو السنّ الذي تتجه إليه النصوص الشرعية لاستثماره في تحمّل الأعباء الجسيمة والمهام العظيمة، وقد ولّى النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا من الشباب المسؤوليات الكبرى في القيادة والقضاء والإدارة. فالشاب البالغ ذو نفس قادرة على العطاء والتضحية، وهي نفس صالحة لأن تكون عماد الحضارات، كما أثبت التاريخ. ومن هنا يأتي دور المربين في الثقة بهذه النفس الفتيّة، وتكليفها بالمهام الكبيرة، إذ إنّها ذات همة عالية وقدرة على الإنجاز
ومن أهم المهارات التي ينبغي تدريب الشباب عليها في وقتٍ مبكّر، بل قبل مرحلة الشباب نفسها، ما يلي
أولًا: مهارة الحوار والتواصل: فالحوار والتواصل من أبرز عناصر بناء الشخصية وتطويرها، فكلّ عملٍ يبدأ بالكلمة، والكلمة هي المفتاح. لذا يجب تدريب الأطفال -قبل بلوغهم مرحلة الشباب- على مهارة الحوار الفعّال والتواصل الجيد، عبر محاربة الخجل وتشجيعهم على المشاركة في اللقاءات والمجالس التي تتيح فرصًا للإنصات والمناقشة والتعبير بحرية
ثانيًا: مهارة تدبير الخلاف والنزاع: إن امتلاك مهارة التواصل الفعّال يُمكِّن الشباب من اكتساب مهارة أخرى لا تقل أهمية، وهي إدارة الخلافات وحلّ النزاعات. فالتواصل القائم على الاحترام واللين يُسهم في خلق أجواء هادئة وإيجابية بين الأطراف المختلفة، مما يساعد على تقبّل الحق واحترام الرأي الآخر، والخروج بنتائج مثمرة تُثمر التعاون والمحبة والمودة، دون الانزلاق إلى الخصام والقطيعة
وقد قال الله تعالى في وصف خُلق نبيه ﷺ: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}
فاختيار الألفاظ الطيبة، والصبر على الطرف الآخر، من أهم القيم التي تساعد على حلّ الخلافات والوصول إلى نتائج طيبة. وقد وضع الإسلام منهجًا راقيًا في تدبير الخلافات، سواء على المستوى العام أو الخاص، كما في العلاقة بين الزوجين، أساسه الموعظة الحسنة والكلمة الطيبة
ثالثًا: مهارة القيادة: إن تحمّل المسؤولية على الوجه الأمثل يحتاج إلى صناعة الشخصية القيادية القادرة على توجيه الآخرين نحو تحقيق الأهداف المشتركة. فالقائد الحقيقي هو من يمتلك الحكمة في التخطيط وحسن التدبير، ويقود فريقه بثقة وعدل وروح إيجابية
والأمة في أمسّ الحاجة إلى قادة من شبابها، ولن يتحقق ذلك إلا بتأهيلهم منذ الطفولة والبلوغ، كما فعل الرسول ﷺ حين أسند قيادة جيش فيه كبار الصحابة إلى الشاب أسامة بن زيد رضي الله عنه وهو دون الثامنة عشرة. فمثل هذه المسؤوليات تُنمّي في الشباب القدرة على ترتيب الأولويات، وحلّ المشكلات، واتخاذ القرارات المناسبة في الوقت والحال
وفي الختام، ندعو الله عز وجل أن يوفقنا جميعًا للعمل بما يحب ويرضى، وأن يجعل شبابنا عماد نهضة الأمة وأمل مستقبلها
