على أنغام إيقاعات ورقصات شعبية أداها طلبة قمريون بالمغرب، انطلقت بمقر أكاديمية المملكة المغربية بالرباط، مساء أول أمس الأربعاء وعلى مدى يومين، أعمال الندوة الدولية تحت عنوان "جزر القمر أفقا للتفكير". وفي كلمته، قال سفير جزر القمر بالرباط يحيى محمد إلياس "إن العلاقات المغربية القمرية متجذرة في التاريخ منذ القدم، فمازالت أذكر منذ طفولتي كيف أحب القمريون في مدغشقر، المغفور له الملك محمد الخامس الذي اعتبروه أبا روحيا لهم، بل هناك قمري اسمه شجاع كان ملازما للملك". وأضاف أن "الطريقة الشاذلية التي تعد من أكبر الطرق الصوفية في الجزر القمرية وذات الأصول المغربية، مازالت منتشرة في كل ربوع البلاد، موضحا أن مسجد فاس ما زال شاهدا على هذه الروابط التاريخية والثقافية التي زادت متانة في عهد المغفور لهما الملك الحسن الثاني والرئيس أحمد عبد الله عبد الرحمن طيب الله ثراهما
وتابع الدبلوماسي القمري بأن "هذه الروابط عرفت قمة قوتها ومتانة روابطها في عهد جلالة الملك محمد السادس والرئيس غزالي عثمان أيديهما الله"، مشيرا إلى أنه "رغم فترة الاستعمار التي ابتلي بها بلدنا من سنة 1841 إلى غاية 1975، فإن التراث الثقافي الذي مازال قابعا في المكتبات الخاصة والعامة، كالمخطوطات الفقهية والأدبية والمؤلفات التي ألفها القمريون في علم الأنساب، مازالت تشهد على حضارة أقامها علماء وشعراء ومفكرون وأمراء، كان لهم باع طويل في اللغة العربية والثقافة الإسلامية
ولفت السفير يحيى محمد إلياس إلى أن "القمري يتألم إذا رأى شيئا مكتوبا باللغة العربية مرميا على الأرض، لأنها لغة ترتقي عنده إلى مرتبة القداسة باعتبارها لغة القرآن الكريم"، مؤكدا أن "المغرب سيظل المثال الذي يقتدى به في دعم قضايانا التنموية والثقافية، إذ إن صاحب الجلالة الملك محمد السادس يولي أهمية كبرى للتعليم والصحة والتنمية التي هي عماد تطور البلدان والمجتمعات
مستودع حضاري وجزر العطور
ومن جانبه، ألقى أمين السر المساعد محمد الكتاني كلمة نيابة عن أمين السر الدائم للأكاديمية، عبد الجليل الحجمري أشار فيها إلى أنه شعر بأنه محمول بسعادة غامرة وشوق ظامئ لهذه الجزر عندما اقترح عليه أخي محمد أمين صيف الذي كان آنذاك وزيراً للخارجية تنظيم ندوة تعريفية ببلاده، ولذلك لعاملين اثنين. موضحا أن "القمر الذي نُسبت إليه هذه الجزر يحمل في مخيال الشعر العربي رموزا دالة على السمو والجمال والنور المضيء للظلمة، فرأى في هذه الجزر التي لم يزرها بعد صفاء النفوس وجمال الطبيعة وقيم العيش المشترك
وأضاف الكتاني أنه آلمنه عندما وقف في قراءة عجالى لمخزن التراث الثقافي والحضاري لجزر القمر، ورأى كنوزاً للتراث الثقافي الفكري والمادي لم تنل حقها من عناية الباحثين والمؤرخين، تحقيقا لمخطوطاتها وجمعا لما تناثر في خزائنها"، مشيرا إلى "مساءلة المنتج المعرفي القمري أكدت له حقيقتين اثنتين هما: أن كل المجتمعات البشرية لديها من العطاءات الإنسانية والخصوصيات الإبداعية ما يمكن أن تمنحه للحضارات الأخرى، وأن الحضارات هي ثمرة عقليات مختلفة ترجع إلى أصول متباينة، لذا فهي محكومة بحتمية الحوار والتفاعل وليس بحتمية الصراع والتصادم
وأكد أمين السر المساعد في كلمته أن "النسيج الاجتماعي القمري بثقافته وتساكنه الاجتماعي وتماسكه الأسري يحمل قيما صالحة للتصدير إلى عالم يعاني نسيجه الأسري من تدهور قيمي"، موضحا أن "جزر القمر مستودع حضاري غني يختزل في ذاكرته عطاءات مازالت شاهدة على نبوغ عربي في الثقافة الإسلامية والأدب العربي والطرق الصوفية وفي الآثار العمرانية والشعرية والأذكار الدينية". وأشار الكتاني إلى أن "سحر طبيعة جزر القمر الغنية بتنوع فواكهها وأشجارها وغنى أسماكها، كسمكة السيليكانت النادرة في العالم، التي كان يعتقد أنها انقرضت مع الديناصورات قبل ملايين السنين، وتم العثور عليها في سواحل البحار القمرية، جعل البعض يسمونها، ونظرا لما تمتاز به أيضا من سمة أخلاق أهلها وعطور أشجارها، بجزر العطور، فيما سماها آخرون جنة الله فوق الأرض
وشبه الكتاني هذا البلد الإفريقي بـ"المدينة الفاضلة التي حلم بها الفلاسفة، لما يتميز به مجتمعه من قيم التسامح والأمن وأخلاق العيش المشترك وحفاوة الضيافة، وبما تسمو به نفوس أهله عن مذلة التسول"، مؤكدا أن "السلاطين الذين حكموا هذه الجزر رسخوا للوجود الحضاري العربي فيها بما تركوه من آثار تمثلت في مخطوطاتهم وعلمائهم وفي عاداتهم وألبستهم وعائلاتهم العربية كآل أهدل وآل العلوي وغيرها
هذا واختتمت أشغال اليوم الأول من هذه الندوة الدولية بإلقاء سلطان شوزور، الباحث في الأنثروبولوجيا وسفير جزر القمر لدى الأمم المتحدة، محاضرة استعرض من خلالها أبرز التحديات والرهانات الوطنية والدولية التي تواجه بلاده باعتبارها بلدا ناميا، على غرار التحديات الاقتصادية والاجتماعية والديمغرافية والبيئية، قبل أن يعيد الطلبة القمريون إتحاف مسامع الحاضرين بأغنية ورقصة تقليدية محلية تسمى "شيكوما