أهم الطرق التي اتبعها النظام الماليزي في تنمية مال الزكاة واستثماره
النظر إلى ما يميل إليه الفقير وما يُجيده من العمل
وهذه الطريقة اتسمت بالمرونة والسرعة في دفع العوز والفاقة للفئات المستهدفة، ذلك أنه عندما يكون المحتاج المستحق يجيد عملا ما، يكون استثماره عن علم ودراية، فمجال الفشل فيه قليل ونادر، لذا كانت ثمرة هذه الطريقة كبيرة ونافعة. أما الذين ليس لديهم عمل يجيدون صنعه، فأنشئ لهم دورات تدريبية في أي مجال يختاره المستفيد، ثم يدفع له رأس المال بعد هذه الدورة، ليقوم بالعمل الذي تعلمه تحت مراقبة صندوق الزكاة، حتى يكون العمل في أعلى مستويات الإنتاج ويحصل منه الفائدة المرجوة
وأهم الاستثمارات التي اتبعت في هذه الطريقة: هي العقارات في المناطق الحضرية، والزراعة في المناطق الريفية، والتجارة في المدن التي يميل سكانها إليها، والصناعات اليدوية كصناعة ملابس الطلاب وبيعها، والمشاريع الصغيرة كالسوق الخاص بصندوق الزكاة التي تقام كل أسبوع في مكان معين لبيع المأكولات وغيرها
وهذا الأمر ساهم في الحقيقة على نجاح استثمار أموال الزكاة من عدة نواح، حيث أنه عندما يقوم العامل باستثمار وظيفته يكون العمل له نتائج ملموسة وسريعة، لذا وجدا أنه في ولاية سيلانغور مثلا (وهو من أكبر الولايات في ماليزيا) كان ميل الفقراء والمساكين فيها إلى عمل التجارة، فنجد أن مستوى التمويل العقاري فيها مرتفع في أموال الزكاة من غيرها، وهذا ينم عن فهم وإدراك بيت الزكاة ما يرفع العوز وينقل الفقير من الأخذ إلى البذل والعطاء، حيث أنه تبين بعد فترة وجيزة من التمويل يصبح هذا الفقير من ممولي بيت الزكاة، ففي كل سنة كان يخرج من طي الفقر والحرمان عدد لا بأس به من مستحقي الزكاة، ففي العام 2009م، كان عدد الأسر المحتاجة ما يقارب، 21621، ثم انخفض هذا العدد سنة 2010م إلى 18352عائلة، وهو كما ترى رقم كبير بمقارنة مع دول أخرى لا تمتلك نظاما لاستثمار أموال الزكاة
التمويل الجامعي للطلبة الفقراء والمساكين
أدرك القائمون على استثمار الزكاة في ماليزيا بأهمية أن يكون الفرد متعلما، فإنه إن تعلم الفقير سيكون مساهماً ويزول عنه العوز هو وأسرته، لذا كان استثمار أموال الزكاة في هذا القطاع ناجحاً، ففي العصر الحديث الجهل يعد فقرا بعينه، فقاموا بدفع رسوم السكن للطلبة الفقراء ومصاريف الدراسة للطلبة المحتاجين. وهذا إن دل على شيء دل على فقه القائمين بأمور الزكاة للغرض من تشريعه، وهو رفع معاناة الفقير وعدم إلجائه على السؤال بسبب تعلمه، وبالتالي ممارسة عمل ما، من غير احتياجه إلى أحد
شراء مساكن للفقراء الذين لا يملكون مأوى يلجؤون إليها
وهو في الحقيقة على قسمين: إعادة كساء المساكن المتضررة جراء الجائحة أو الفيضانات، بشراء مستلزمات المعيشة التالفة وإبدالها بجديد. أو إعادة البناء لمن كان لديه بيت انهدم جراء جائحة، بتحمل دفع الأقساط الشهرية حتى يتحول الملك إلى الفقير أو المسكين
أداة تنفيذ هذه المشاريع في ماليزيا وكيف تمت
سبق أن بينا أن هذه المشاريع كانت تنفذ عن طريق صندوق الزكاة الماليزية، إلا أنه هناك شريك حقيقي ساهم لإتمام هذه المشاريع وإنجاحها، وهو البنك الإسلامي، (بنك معاملات)، فمن خلاله كانت تدفع الفواتير، وتمر أغلب التعاملات عبرها، مما يدل على أهمية البنك الإسلامي لتنمية مال الزكاة، فهو الوكيل الصادق لتنمية المال وحفظه وحسن مراقبته. كما أنه من خلال البنك يمكن للمزكي دفع الزكاة عن طريق الخصم من حسابه أو بالطرق المعروفة في دفع المال عبر البنوك. ومما سبق تبين لدينا أن التجربة الماليزية كانت ناجحة في تنمية واستثمار أموال الزكاة، ودفع العوز عن الفقراء والمساكين، وجعلهم مساهمين في المجتمع بدل العكوف في انتظار الصدقات من الناس والحكومة
الاستفادة من التجربة الماليزية في جزر القمر
إن أهم صفة ينبغي أن تتوفر في التنمية المستدامة والاستثمار في مال الزكاة هي الأمانة والعلم، فبهما تسير الأمور على ما خطط لأجلها، فعندما يدرك المزكي أن أمواله تذهب إلى أيدٍ أمينة وتصل إلى محتاجي هذه الأموال، فلن يتردد في تقديم المزيد، بل قد يتبع حق الزكاة بهبة وصدقة، للمساهمة في رفع العوز والفقر عن المسلمين. ومن هنا تبرز أهمية البنوك الإسلامية ودورها في تنفيذ المشاريع التنموية، لأمانتها وعدم التفريط في حق الفقير والمحتاج، بالتعاون مع صندوق الزكاة
لاشك أن لفتح التعامل على الطريقة الإسلامية في جزر القمر، سيسهم في دفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام، ذلك أن الشعب القمري يحب العمل ويجتهد في الكسب، فإذا توفر له بيئة اقتصادية داعمة له في السعي والتجارة والعمل، فسيدفعه إلى العمل، وبالتالي انتفاء الحاجة والفقر على شريحة كبيرة من الشباب. ومن هنا تعظم مسؤولية (مك مروني) في القيام بهذا النشاط، في دعم المشاريع التنموية عن طريق أموال الزكاة وإن كانت الأمور في بدايتها إلا أننا نأمل في جعل (مك مروني) لبنة صالحة في تنمية الأموال الزكوية في هذا البلد المسلم
الطرق المساهمة في تنمية واستثمار مال الزكاة في جزر القمر
الدعاية والتثقيف: ذلك أن المزكي لابد أن يكون لديه علم كافٍ لكيفية استخراج زكاة ماله، ومعرفة مقدار النصاب الذي إن وصل إليه مقدار المال توجب عليه دفع الزكاة، وقد لا يتوفر على المزكي هذه المعلومة، ومن هنا تكون فائدة الدورات التثقيفية لتعليم المجتمع كيفية ذلك. وقد أرينا في التجربة الماليزية كيف ساهمت الدعية في رفع مستوى دفع الزكاة
اختيار النشاط التجاري المناسب: وهو شرط لنجاح كل عمل، حيث أن المتمكن من العمل الذي يقوم به تكون نتائجه عالية ومضمونة، ومن هنا نرى أن أغلب الناس في جزر القمر يميلون إلى التجارة، وخاصة في المأكل والمشرب، وكذا الزراعة
دراسة المشاريع دراسة متأنية: مما يعني أن الجهة الممولة لابد أن تكون لها خبراء في المجال التي يراد استثمارها، وهو ما قام به (مك مروني) بالفعل، حيث أنه هو المعني بالنظر في صلاحية المشروع ومدى إمكانية النجاح في تنمية مال الزكاة، ولقد سعى (مك مروني) على أخذ خبراء في هذا الشأن لتسير العمل على النحو المرجو به، مما يدل على الجدية في انجاح المشروع الجديد واستمراريته
التدريب قبل القيام بالنشاط التجاري أو العمل: رأينا كيف قام صندوق الزكاة الماليزي بتدريب المستحقين للزكاة الذين لا يمتلكون الخبرة الكافية للقيام بالنشاط التنموي، فكانت النتائج مبهرة، لأنهم أصبحوا في فترة وجيزة مساهمين لمشرع تنمية مال الزكاة. ومن هنا تعيَّن على (مك مروني) اتباع هذا الأسلوب في سبيل انجاح التنمية وجعلها مستدامة، لأنه هو الهدف من تنمية مال الزكاة
دعم النشاط الزراعي: إن المأكل والمشرب من أهم مقومات العيش والحياة، فبدونهما لا يستطيع أي إنسان الاستمرار في العيش، لذا كان التجارة فيهما مربحة وسريعة النماء، فينبغي على الممول النظر فيما يميل إليه الناس من المأكولات اليومية، وجعل الدعم التنموي على هذا النوع، ليكون عملية النهوض بمال الزكاة وتنميته سريعاً وناجحاً. ومن مميزات الاستثمار في الزراعة في جزر القمر ما يلي: خصوبة الأرض والتربة، لا يحتاج إلى سماد في الأغلب، عدم استخدام المبيدات الكيميائية
المشاريع الصغيرة والمتوسطة: لا شك أن للمشاريع الصغيرة أثر في تنمية المال ومفيدة للفقير والمسكين، إن استغل بشكل مدروس، مثل الشاب الفقير أو المسكين الذين يريد إنشاء دكان أو غير ذلك من الأعمال المتوسطة، والملاحظ أن التنمية في هذا المجال مترخ وبطيء، إلا أنه مع الاستمرار والجهد تأتي الفوائد المرجوة
بذل المستفيد (الفقير المسكين ابن السبيل) الوسع والاجتهاد: في نجاح المشروع وعدم التفريط في حق مال الزكاة، ويعلم أنه مطالب بالعمل حتى لا يكون عالة على أحد، وأن ذلك عون له في حياته ولا يتَّكِل، ذلك أن اليد العليا خير من اليد السفلى
تبين لنا من خلال هذا المقال عدة أمور منها: نجاعة استثمار أموال الزكاة في رفع الفقر ودفع الفاقة والعوز عن الفقراء، وأنه طريق لتغيير المجتمع من السؤال إلى البذل والعطاء. وكفاءة الطريقة الماليزية في معالجة الفقر عن طريق المشاريع التنموية. والأمانة والصدق وحسن اختيار المشروع المراد الاستثمار فيه سبب رئيسي لنجاح العملية التنموية في أموال الزكاة. وخصوبة الأرض وقلة التكاليف في مشاريع الزراعة في جزر القمر سيعزز عملية استثمار أموال الزكاة في هذا المجال، وبذلك دفع الفاقة وتنمية المجتمع من الناحية الاقتصادية. والحمد لله رب العالمين
الدكتور سيد أحمد مدهوم
دكتوراه في قسم المعاملات المالية المعاصرة