هناك وجدت نهرا عظيما عرضه يجري مياهه منهمرا مقبلا صوب أراضينا تأخذ بنواحينا بأدينا وحاضرنا وحين ذلك لم يحظ أحد بالنجاة لا حاكما ولا محكوما بحيث لم ينج أحد بالفرار ولم يفز محاولات طائرات النجدة للهبوط لشدة غثيان السيل المنهمر مع رياح عاصفة سوداء وبضباب مشبعة بغيوم ممطرة فزاد الهول والفزع ولا أرى من الكارثة مفرا برا ولا بحرا ولم يترك لنا شمالا ولا جنوبا
فيا قومي: ليست هذه رؤية منامية ولا نظرة خيالية بل هذه أمور متوقعة حدوثها وليست من خيالات ناتجة عن الذهول وضيق المعاش وفقدان الوعي بسبب حياة ساخنة كهذه التي تذهب بالعقول وتقطع حبل الأمل وتعاند بشدة وحماس حياة الشعب اليومية وتمنع حركاتهم وتقف أمام طريق الباحث عن سبيله لسد طريقه فكيف بأمل يطول ويرثي طمعا. أقترب إلى الوضوح قليلا فأقول: لا ينبغي لأحد مع مستواه العقلي والمعرفي الجهبذي والمستوى الأدنى في الإدراك والتدبر على كل حال، هؤلاء المدعوون للفهم العميق في هذه المستجدات أو هذه الظاهرة في الأسواق في المستشفيات وفي الصيدليات وفي أم البليات (الجمارك) وفي شوارع العاصمة موروني، وما ذلك إلا رفض لحياة المساكين وفقرائهم في المجتمع القمري، دون التفكر في أدنى مساعدة تحاول الذهاب بهم نحو البديل لرفع مستوى المعاش الصعب، يحيون حياة تأخذ بشدتها وجفافها بالعناق يسبب الكثير من الأمراض العصبية التي غطت جميع نواحي البلاد، حياة لا تصلح لأي إنسان ما لم يكن له منصبا كبيرا أو متطفلا واقفا عند أبواب الفضلاء، أو يخلق علاقات تقربه، هذه الحياة التي نعيشها يوميا تدرب للشعور بخطر قابل وتشجيع ليقظة الوقوف ضد الأنظمة الحاكمة. مجمل الحديث الذي نرويه عبر هذه الكلمات تتحدث عن دموع الضعفاء من المطرودين عن أعمالهم والذين فقدوا الأمل لحياة تذيقهم طعم الحياة
هذه الكلمات التي بكثرتها وقلتها لا تستطيع إقناع قوم أتاحوا لحكامهم كل الفرص للبناء، وأعطوه البحار وجميع أراضيها بل حتى غيوم السماء وقدموا له النفس والنفيس من أجل تحسين وضع الوطن والمواطن، كل ذلك من أجل صنع حياة أفضل، فلماذا الفشل ؟ ما هي أسباب الفشل ؟ ومن يكون لذلك مسئولا ؟ ماذا نقول حين اجتمعت كل الآليات الكافية لطرد شيطان العنصرية وإبعاد الفشل ومكافحة الفقر البطالة، ومع الأسف لم يتم الاستفادة منها، فعجبا لقوم أضاعوا المقياس والميزان فأضلوا السبيل ولا هم قادرين للعودة، فمنذ ولادة هذه البلاد وجوها في عتم شديد يعم البلاد، وغيوم تطرد شمسها ولا ندري متى ينسحب هذه الغيوم المظلمة ونرى النور ساطعا في نواحينا ويضيئ للجميع
الدول كلها في عالمنا اليوم انطلقت يدا بيد متعاهدين لدفع الضر وجلب النفع بقدر ما استطاعوا، متفقين على حرب الجهالة والبطالة، فهم يتسابقون في التقليل من هذين الوصفين، فهما يشكلان جرما كبيرا يرتكبها الحكام في حق مواطنيه، وهو كذلك حق شرعي في حق الإنسان ونسيانه أو تجاهله ثقل ينزل بالدولة في دناءة ونقص لشرفها أمام الدول. هنالك من البلدان من حملوا السلاح على الشعب للإبادة والتشتيت وأوجبوا عليهم الرحيل وترك الأوطان، منهم من ماتوا في الطريق، ومنهم من نجوا بعد قطع المسافات الطوال وبأسلوب آخر، من الأوطان من استغلوا غير السلاح في الحرب ضد الشعب، فاتخذوا تضيق المعيشة بمكافآت ذليلة لا تطعم جائعا ولا تسقي عاطشا ولا تشفي مريضا، عملوا بهم وسائل الفقر والمسكنة والإهانة، فلم يتخذوا الحرب ضد الشعب بالسلاح والعنف بل يكون بصورة مسمومة تخفي عداوتها في رجال فقدوا الضمير من أجل دريهمات قليلة تكفي للدفاع عن مثل هذه المضايقات
يكفي أخي الكريم التضييق بالضعاف وتضخم رسوم المبيعات ورفع الأسعار في كل بيع وشراء وتركها تزداد ارتفاعا بخط أفقي سريع يوميا، وكأن المبيعات في سباق مع الأيام كل يوم صفقة جديدة في صفحة جديدة. حكومتنا واقفة وراء هذه الكوارث ولا يسمع عنه حديثا دفاعا عن كبير السن وصغيره ؟ هكذا تحارب الحكومة شعوبها بأساليب مختلفة ومتنوعة كيف لا وإخوان لنا اختاروا الموت بدلا عن حياة تعيشه دون ضمان ليومك ولا طمع لمستقبل. ما ذا نصنع لأيتام لنا في البيوت ؟ أليس لديهم حق التعليم والعلاج كغيرهم من الأبناء ؟ ولم تقم مسئولية لتفقد أحوال هؤلاء الأيتام والفقراء والمساكين لوضع برامج خاصة للمصابين بهذا الشلل فلا تداس حقوقهم بتراب فهو ثقل يحمل على أكتاف المسئولين لا يستهان بها
سياستنا لا تكون ناجحة أيها الحكام إذا تركنا للفشل مجالا أو كان له شبرا في أراضينا وذلك إذا لم نتبصر جيدا ونبحث عن الأسباب ونتوقى العيوب وعدم الجدية ونكون معنيين للسؤال ونضرب صفحا عن طبيعة انتظار حلول الأجانب وتصبح الجدية أكبر وسيلة لتخطي الصعاب. فحتى لا تضع الحرب أوزارها ونكف عن المظاهرات وسيئ الكلام الذي ملأ الكون وسالت أوديتها أنهارا لابد من إعادة النظر في هذا التخطيط الإداري الجديد الفاشل الذي يرى بطرد العمال بلا سبب يقاس عليه بالمعقول بل القصد الملاحظ أن اتساع دائرة البطالة وزرع الحقد وعدم الاستقرار في البلاد
أخيرا نبدي الخوف من مستقبل عسى ألا يكون محمودا لأنه مستقبل لا ينظر فيه بعين الحكمة والاعتبار والاستفادة بماض أسود، فيتم التجنب من حياة الحمق أو نقع في حياة عشوائية كسفينة ضاعت عن موانيها، فظاهر الحديث أن حياتنا الاجتماعي غير مخطط ولم يرسم له أهداف بل مجرد حماس وشغف للحكم بأية وسيلة، ونحن حين نسمع بالإطاحة والعزل قبل كل شيء وقعنا في قعر آخر لا يعرف له نهاية، فلابد أن نبحث أسباب الفشل وإيجاد سبل وضع حد للخيانة والأنانية ونأخذ بالطريق الأسلم، والأفضل للحكومة إعادة النظر مشاركة مع الأصحاب (أحزاب المعارضة) والرجوع إلى طريق السلم وتجنب الاستفزاز المثير للعنف وغرس الفوضى وتمزيق رداء الأمل، وأظن أن استدراك الأخطاء ليس عيبا بل هو من تمام المسئولية وحماية للمروءة. والعمل بهذا الطريق يحقق مستقبلا زاهرا طيبة يحق لها الشكر والعرفان
وحين نقدم ذلك لأننا نرفض مظاهرات زائفة فارغة غير مخططة، ولا مبرمجة فاقدة المضمون ولا تتحدث بلسان الشعب حقا، بل مظاهرات من أجل الفوضى وترسيخ جذور الخلاف ويظهروا الميل لقوم أنزلوا بهذه الدولة في قعر ديون وسرق أموال جاوزت التعداد، فكيف نرفع أصواتا لمثل هؤلاء القوم. وأرجوك أخي الكريم قارئ هذه المقالة لا تخجل عن خشونة مفرداتي وأسلوبي فهي تعانق الموضوع مع حزنها وتتحدث دوما عن آلام هذا الشعب المسكين المغلوب على أمره، وتواصل في البحث عن مصير دولتنا. واعلم أننا لا نرفض سياسة معينة بل نرفض سياسة تضيع حقوقنا ومستقبل أولادنا، ومن الجميل أن نبني لأولادنا دولة يحبونها ويرغبون العمل فيها ويفتخرون بها
الأستاذ/ عبد الله عبد الله عبد الوهاب
موجه تربوي