logo Al-Watwan

Le premier journal des Comores

خصوصية التجربة الديمقراطية في جزر القمر

خصوصية التجربة الديمقراطية في جزر القمر

الوطن بالعربية |  | ---

image article une
تعتبر جزر القمر واحدة من الدول الصغيرة التي تتمتع بتجربة ديمقراطية فريدة من نوعها في العالم العربي والإفريقي. تقع هذه الدولة في المحيط الهندي بالقرب من السواحل الشرقية لقارة إفريقيا، وهي تتألف من مجموعة من الجزر التي لها تاريخ طويل ومعقد من الاستعمار والصراعات السياسية الداخلية. على الرغم من التحديات العديدة التي تواجهها، فإن جزر القمر تمتلك خصوصية في مسارها الديمقراطي يمكن أن تشكل نموذجاً مثيراً للاهتمام في دراسة التحولات السياسية في دول ما بعد الاستعمار.

 

تاريخ جزر القمر السياسي كان متأثراً بشكل كبير بالاستعمار الفرنسي الذي دام حتى استقلال البلاد في عام 1975. بعد الاستقلال، مرت البلاد بعدد من الاضطرابات السياسية والعسكرية، بما في ذلك الانقلابات المتتالية، التي كانت أبرز سمات الفترة ما بعد الاستعمارية. شهدت جزر القمر محاولات متعددة لإرساء النظام السياسي المستقر، لكن النزاعات على السلطة كانت تعرقل تطور الديمقراطية

في السنوات الأولى من الاستقلال، كان التعددية السياسية محدودة للغاية، وكانت السيطرة المركزية على السلطة في يد قلة من النخب السياسية والعسكرية. إلا أن الوضع بدأ يتغير تدريجياً مع بداية التسعينات من القرن الماضي، حيث شهدت جزر القمر أول انتخابات ديمقراطية حرة في عام 1990، وهو ما مثل خطوة مهمة نحو بناء المؤسسات الديمقراطية

من أبرز الخصائص التي تميز التجربة الديمقراطية في جزر القمر هو النظام الفيدرالي الذي تم تبنيه بعد اتفاقات السلام التي جرت في بداية القرن الحادي والعشرين (فبراير 2001). جزر القمر تتكون من ثلاث جزر رئيسية هي: موهيلي، أنجوان، وانغازيجا التي فيها العاصمة مورووني، إضافة إلى جزيرة مايوت التي تحت الاستعمار الفرنسي. كل جزيرة تتمتع بحكم ذاتي، مما يعزز من مشاركتها في صنع القرار السياسي ويعطيها القدرة على إدارة شؤونها المحلية

النظام الفيدرالي في جزر القمر يساهم في الحفاظ على استقرار النظام السياسي بشكل عام، لكنه في الوقت ذاته يخلق تحديات في التوفيق بين الحكومة المركزية وحكومات الجزر. تعدد المصالح السياسية والاقتصادية بين الجزر يجعل من الضروري وجود آليات للتفاوض والتسوية، وهو ما يتطلب تنازلات من جميع الأطراف

من أبرز مميزات التجربة الديمقراطية في جزر القمر هي عملية الانتقال السلمي للسلطة. منذ نهاية التسعينات، بدأت البلاد تشهد انتخابات رئاسية تعددية، حيث كانت السلطة تنتقل بين مختلف الشخصيات السياسية في أجواء من التنافس الحر. على الرغم من بعض الأزمات السياسية التي شهدتها البلاد، فقد استطاعت جزر القمر تجنب الصراعات الطاحنة التي كانت قد شهدتها بعض الدول الإفريقية الأخرى

التعددية الحزبية أصبحت سمة أساسية في المشهد السياسي القمري. مع تطور العملية الديمقراطية، ظهرت أحزاب سياسية عديدة، تتبنى آراء مختلفة حول كيفية إدارة الحكم. وعلى الرغم من هذه التعددية، إلا أن البلاد تواجه تحديات في تكريس ثقافة سياسية تضمن الاستقرار السياسي بعيدا عن الانقسامات العرقية والإقليمية

رغم التقدم في المجال السياسي، لا تزال جزر القمر تواجه تحديات اقتصادية كبيرة. تعد هذه التحديات بمثابة عائق رئيسي أمام نجاح التجربة الديمقراطية. يعاني البلد من ضعف في البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية، مما يؤثر بشكل مباشر على رفاهية المواطنين ويزيد من الفجوة بين المناطق الحضرية والريفية. يعتمد الاقتصاد في جزر القمر بشكل كبير على الزراعة وصادرات المستخلصات النباتية مثل الفانيليا والقرنفل، إلا أن العوامل البيئية وغياب الاستثمارات الكبيرة يحد من نمو الاقتصاد بشكل ملحوظ

بالرغم من التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجه جزر القمر، إلا أن التجربة الديمقراطية في البلاد تظل نموذجًا مثيرًا. فقد أظهرت جزر القمر قدرة على التكيف مع صراعاتها الداخلية والمضي قدمًا في مسار إصلاحي. ومع استمرار التحسينات في مجال الحوكمة، يمكن لجزر القمر أن تصبح نموذجًا يحتذى به في تعزيز الديمقراطية في المنطقة، مع ضرورة التركيز على تطوير البنية التحتية الاقتصادية وتوسيع المشاركة السياسية للجميع

 تبقى التجربة الديمقراطية في جزر القمر فريدة من نوعها، حيث تواجه تحديات متعددة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، لكنها تظل ثابتة في سعيها لتحقيق الاستقرار والتنمية

الكاتب والإعلامي/مصطفى القرنه

 

تعليقات