أتدرون ما المقصودُ بهذا يا عباد الله؟ إنه اللواطُ والسِّحاقُ، إنه الشذوذ والجنسُ الثالث... في أسماءٍ ونعوتٍ يستحِيي الكريمُ أن يلفِظَها، ويأنَفُ ذو المروءةِ أن يتفوَّه بها، فضلاً عن أن يُؤذِي بها الأسماع، أعزكم الله ورفع قدركم
إن اللواط فتنةٌ وبلاءٌ وفواحِش تستعبِدُ النفوسَ المريضة، يعيشُ أصحابها عيشَةَ الهوان، أسرى أهوائِهم، انحرَفوا عن مسالِك الرُّشد وسبيل القصد، شُذوذٌ يُخرِج الإنسان عن طبعِه إلى طبعٍ لم يطبَعه الله عليه، حتى الحيوان البَهيم لا يسلُك هذا المسلَك. بل هو ذو طبعٍ منكوس، وإذا انتكَسَ الطبعُ انتكَسَ القلبُ والعملُ والهُدى، فيستطيبُ صاحبه الخبيثَ، ويفسُدُ حالُه وكلامُه وعملُه
واللواطُ عياذًا بالله يجلِبُ الهمَّ والغمَّ، والنُّفرةَ من الفاعِلِ والمفعولِ به، ويُظلِمُ الصدرَ، ويكسُو النفسَ وحشةً، يظهرُ على صاحبِهِ كالعلامةِ، يعرِفُها من له أدنَى فِراسَة. بل لقد قال ابن القيم رحمه الله: (إنه يُفسِدُ حالَ الفاعِلِ والمفعولِ به فساداً لا يكادُ يُرجَى بعده صلاحٌ، إلا أن يشاءَ الله بالتوبة النَّصُوح). يذهبُ بالحياء، والحياءُ هو حياتُه وحياةُ القلوبِ، ومن فقدَ الحياءَ استحسنَ القبيحَ، واستقبحَ الحسنَ، وذهبَ ماءُ وجهِه، وحينئذٍ يستحكِمُ فيه الفسادُ والانحِراف، عياذًاً بالله من مقتِ الله وغضبه وعقابه
وقد قال الله تعالى عن لوط أنه قال لقومه: ﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ﴾ أي: الفاحشة العظمى والكبرى، ولهذا دخلت عليها أل التعريف، فدل ذلك على أن عمل قوم لوط أنه أفحش من الزنا، ويدل لذلك أن الله تعالى بعث رسولا برسالة تامة لينذر من هذه الفعلة الشنيعة، وهو نبي الله تعالى لوط، أرسله الله تعالى إلى قومه لينذرهم ويحذرهم من هذه الفاحشة والفعلة الشنيعة، وقد أهلك الله تعالى، أهلكهم الله -عز وجل- بهلاك عام، ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ * فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ * إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ﴾ [الحجر: 73، 74، 75] ونجا الله تعالى لوطا وأهله إلا امرأته. ومما يدل لذلك: أن فاعل هذه الفعلة والمفعول به يقتلان بكل حال، حتى وإن لم يكونا محصنين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ومن وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به»
ولابد من إسكات الأبواق المضللة التي تسعى في نشر هذه الفواحش، ونشر هذا السقوط الاجتماعي، وتسعى لوأد الفضيلة، ونزع جلباب الحياء، فلا يسطو على الأعراض إلا مجرم أثيم، ساقط المروءة، يخرب بيته وبيوت المؤمنين، لابد من حماية أبناء المسلمين مما يبتذل في أسواقهم، ووسائل إعلامهم من الأغاني الماجنة، والصور الفاضحة، والقصص الساقطة، والأفلام الهابطة، ﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾
ومن أسباب الوقاية والسلامة من هذه الفواحِش المُنكَرة؛ فأولُها: الإخلاصُ لله، واللُّجوء إليه، وقد قال الله في نبيِّه يوسف عليه السلام: ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾. والثاني: غضُّ البصر، فغضُّ البصر يُورِثُ الراحةَ والطُّمأنينة. والثالث: تجنب الحديث عن الفواحش وأصحابها، لأن كثرة أخبارها تدعو النفوس إلى التهاون بها واستسهالها، ولا تزال تتكرر حتى تصير متداولة مألوفة غير مستنكرة، وقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾. وأما الرابع فهو: تجنب أصدقاء السوء الذين يزينون الحرام، ويتكلمون في الحرام، ويستسهلون الحرام، ويدلون عليه
وأخيرا، فإن من الأسباب المانِعة الحافِظة -بإذن الله وعونِه: البُعدُ عن مواطِن الفواحِش، وبيئاتِها، وأماكن الرِّيَب، فإذا ابتعَدَ البدنُ ابتعَدَ القلبُ. ندعو الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا بالعمل لما يرضيه
محمد حسين دحلان
باحث في الشريعة الإسلامية
وخطيب في جوامع موروني