ولا يوجد شك أن العلماء الملتزمين بكتاب الله -تعالى- وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لهم مكانة كبيرة في الإسلام، حددها الله ورسوله، ومن الآيات التي وردت في بيان فضلهم ومكانتهم: قوله تعالى: {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران: 18]
والعلماء هم من انطبقت عليهم الخيرية التي حددها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله من حديث مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: {مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ}. لذلك يجب على العلماء والدعاة إلى الله سبحانه وتعالى أن يعرفوا أن لهم دور كبير في المجتمع ويجب عليهم أن يجتهدوا في تحقيق هذا الدور
وأهم هذا الدور هو تعزيز الإخاء بين المسلمين، والقضاء على ما يعترض سبيله ويوهن قوته، ذلك أنهم ورثة الأنبياء في التغيير والإصلاح، وهم دائماً حَمَلة مشاعل الهداية، وصِمَام الأمان للخَلق من الضلال والهلاك، بما يقومون به من جهود البيان والبلاغ، والنصح والإرشاد، والأخذ بأيدي الناس إلى صراط الله المستقيم. ويجدر بالعلماء والدعاة أن يضطلعوا -في هذا الشأن- بواجبات مهمة، منها:
أن ينصحوا للمسلمين -حكاماً ومحكومين- وأن يبينوا للجميع أهمية الأخوة الإسلامية، ومنزلتها من الشرع، وينبهوهم إلى خطورة شأنها وضرورتها، ويبينوا آثارها في حياة الأمة أفراداً ومجتمعات، وأن يذكِّروهم بكل ما من شأنه أن يُرغبهم في التمسك بأخوتهم والالتفاف حولها، ويحذرهم من إهمالها وتضييع حقوقها
ومن واجب العلماء والدعاة أن يعملوا على تعميق التدين الصحيح لدى جماهير المسلمين، حيث إن هذا الأمر يخدم قضية النهوض بالأخوة الإسلامية، ذلك أن شعائر الدين وتشريعاته تُقوي رابطة الإخاء في نفس المؤمن المتبع لدينه، المتمسك بشرائعه وشعائره، فإذا ما زكت روح التدين لدى المسلمين ازدهرت روح الأخوة، وثبتت دعائمها فيما بينهم
ثم إن على علماء الأمة ودعاتها أن يقدموا من أنفسهم القدوة الحسنة أمام عموم المسلمين في التحقق بالأخوة الإسلامية والحفاظ عليها، فينأوا بأنفسهم عن الإتيان بما من شأنه أن يَضْعِف الإخاء بين المسلمين، ويوهن من ترابطهم وأخوتهم
وقد بذل العلماء رحمهم الله، وما زالوا، جهودا على مر العصور في تعليم أفراد المجتمع، وتبصيرهم بالضروريِّ من الدين، وإصلاحهم، والسعي في تحقيق أمنهم واستقرارهم، مستبصرين بتعاليم الشرع الحكيم
ومن الأئمة الأعلام، الذين كانوا قدوة يُقـتدى بها في إصلاح المجتمع خاصة في جزر القمر، سماحة العلامة السيد محمد عبد الرحمن رحمه الله، مفتي جزر القمر سابقا، الذي جاهد ولله الحمد خلال حياته كلها للعمل لما فيه صلاح للمسلمين في جزر القمر. وكان صابرا على أذى الناس، حريصا على قضاء حوائجهم، بل يكفي أن نعلم أنه كان لا ينام في الليل إلا قليلا وكان له جهود مخلصة داخل جزر القمر وخارجها ومع ولاة الأمر. ومما يعرف منه أنه كان من الذين عملوا لحصول جزر القمر على استقلاليتها بجانب إخوانه من السياسيين وأعضاء المجتمع المدني
ولم يكن رحمه الله وحده في هذا المجال بل كان جل علماء جزر القمر معه في هذا الطريق أمثال سيد عمر عبد الله المعروف بموني بركة الذي كان يتجول في العالم وينشر مبادئ الإسلام والوطنية في أنحاء العالم. بل كان ممن ألقوا كلمة جزر القمر أمام الأمم المتحدة بعد الحصول على الاستقلال. لذلك علينا كعلماء ودعاة أن نحفظ منجزات شيوخنا وعلماءنا وقادتنا السياسية والاجتماعية الذين حفظوا وحدة جزر القمر وواجهوا المستعمرين بكافة الوسائل السلمية التي كانت متاحة عندهم. فلنجتهد ونواجه كافة المؤامرات التي تسعى لتمزيق الأمة القمرية المسلمة لأن الله ينصرنا إذا ثبتنا على الطريق
محمد حسين دحلان
باحث في الشريعة الإسلامية
وخطيب في جوامع موروني