فعلى مدى سنوات حكمه اقترن اسم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بالعطاء، والسعي لتقديم العون لكل محتاج بصرف النظر عن الدين أو العرق، ما جعل منه رمزاً من رموز العطاء والإحسان على مستوى العالم، وجعل من دولة الإمارات مساهماً رئيساً في العمل الإنساني والإغاثي على مستوى العالم
لم يترك زايد مجالاً للعطاء وخدمة الإنسانية والفئات الضعيفة والمحتاجة إلّا وكانت له فيه بصمات بارزة، وهو ما جعل اسم زايد محفوراً في ذاكرة وعقول الشعوب والبسطاء من الناس، كما حملت اسمه العديد من المدن العمرانية والمشروعات الخدمية كالمدارس والمستشفيات في مختلف دول العالم، لتقف شاهدة على أياديه البيضاء التي لم تفرق في العطاء والمحبة بين الناس، وامتدت لتغيث الملهوف، وتساند المحتاج، وتدعم الضعيف في كل مكان
ولم يكن العطاء عند الشيخ زايد عفوياً دون تنظيم، فقد حرص على أن يعطيه صفة مؤسساتية جادة تمنحه الاستمرارية والاستدامة والدقة في اختيار المشروعات، فأسّس خلال عام 1971 صندوق أبوظبي للتنمية، ليكون عوناً للأشقاء والأصدقاء بالإسهام في مشروعات التنمية والنماء لشعوبهم، كما أنشأ خلال عام 1992 مؤسسة زايد للأعمال الخيرية والإنسانية، لتكون ذراعاً ممتدّةً في ساحات العطاء الإنساني في مجالاته جميعها داخل الدولة وخارجها، بالإضافة إلى الدور الكبير الذي يقوم به الهلال الأحمر الإماراتي في مختلف بقاع العالم، وغيرها من المشروعات
وكان يركز على المشروعات التي تعود بالخير والنفع على المواطن، مثل مشروعات الإسكان والتعمير واستصلاح الأراضي والمستشفيات والمدارس والمراكز الثقافية والتعليمية، وبالفعل هناك العديد من المشروعات التي أقامها الشيخ زايد في دول مختلفة، مثل: ومصر وباكستان والمغرب والسودان وبنغلاديش وأفغانستان وغيرها الكثير من الدول حول العالم ومنها جزر القمر. قدمت الإمارات العربية المتحدة منذ تأسيسها في عام 1971، مساعدات خارجية غير مشروطة على الصعيد العالمي لدعم النمو الاقتصادي في البلدان النامية وتوفير الخدمات الاجتماعية الأساسية للمجتمعات المحلية التي تحتاج ظروفها المعيشية إلى تحسين
إن الهدف الأساسي من المساعدات الخارجية لدولة الإمارات هو الحد من الفقر، وتعزيز السلام والازدهار، وتحفيز العلاقات الاقتصادية ذات المنفعة المتبادلة من خلال دعم العلاقات التجارية والاستثمارية مع البلدان النامية. وتركز هذه المساعدات في الوقت نفسه، على قطاعات محددة من المجتمع مع إيلاء اهتمام خاص بالنساء والأطفال أثناء الكوارث الطبيعية وفي مناطق الصراع
نظرة عامة
لطالما تميزت دولة الإمارات بسخائها. وقد تصدرت في السنوات الأخيرة، قائمة المانحين من حيث المساعدة الإنمائية الرسمية مقارنة بالدخل القومي الإجمالي. وينبثق هذا السخاء من التراث العربي والإسلامي، ويعكس قيم دولة الإمارات في الدعم غير المشروط للبشرية. وتؤمن دولة الإمارات بأهمية استقرار ورخاء الدول النامية، لإحلال السلام والازدهار في المنطقة والعالم، وبما أن دولتنا تعتبر مركزا ماليا وتجاريا ولوجستيا حيويا للشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا، فإن اقتصادنا يرتبط باقتصاد هذه الدول، وترى دولة الإمارات فرصا كبيرة لنمو اقتصادها عندما تصبح هذه المناطق محركا للنمو العالمي على مدى العقود القليلة المقبلة
وقد كانت الإمارات العربية المتحدة في بداياتها دولة نامية، لذا يمكن لتجربتنا أن تكون محفزا للآخرين، لتظهر التقدم الممكن الذي أحرزته الدولة برؤية القيادة الثاقبة، والتفاني في خدمة مصالح الأمة وشعبها، من خلال الاستثمار المدروس والعمل الجاد. باختصار، تساعد المعونات الخارجية الإماراتية في الحد من الفقر، وتعزيز السلام والاستقرار، وحماية كوكب الأرض. فدولة الإمارات تدرك بأنه لا بد لحياتنا أن تتحسن عندما نساعد الآخرين
المساعدات الخارجية لدولة الإمارات
إن تاريخ المساعدات الخارجية الإماراتية هو قديم وقد بدأ مع تأسيس الدولة. فقد أمر صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (طيب الله ثراه)، بإنشاء صندوق أبوظبي للتنمية لإضفاء الطابع المؤسسي على المساعدات الإماراتية في عام 1971. وقد انضم المجتمع المدني إلى الجهود الرامية لتقديم المساعدات إلى الخارج في أواخر السبعينيات مع ظهور جمعيات مثل دار البر وجمعية دبي الخيرية
كما دعمت قيادة الدولة هذا الزخم خلال الثمانينيات والتسعينيات من خلال إنشاء ورعاية منظمات الإغاثة والجمعيات الخيرية في كل إمارة، وشملت مؤسسة زايد الخيرية والإنسانية، ومؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان، ومؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم لأعمال الخيرية والإنسانية، وهيئة آل مكتوم الخيرية، وجمعية الشارقة الخيرية. وقد كان إنشاء الهلال الأحمر الإماراتي في عام 1983 كهيئة انسانية تطوعية رئيسية في البلاد خطوة هامة في مجال المساعدات الخارجية الإماراتية
وقد أنشأ مجلس الوزراء في عام 2008، مكتب تنسيق المساعدات الخارجية، مما يدل على التزام الحكومة بدعم التحول في قطاع المساعدات الإماراتية. وقد أسندت له مهمة توثيق المساعدات الخارجية، وتنسيق ودعم نشاطات الجهات المانحة والمؤسسات الخيرية الإماراتية، بجانب توفير المعلومات وتقديم الاستشارات والتدريب وتطوير كوادر الدولة في مجال العمل الإنساني الدولي، إضافة إلى بناء وتعزيز العلاقة بين الجهات المانحة والمؤسسات الخيرية الإماراتية والمنظمات الدولية المختصة
وقد تطور مكتب تنسيق المساعدات الخارجية في عام 2013، ليصبح وزارة التعاون الدولي والتنمية. وفي وقت لاحق من عام 2016، تم دمج وزارة التعاون الدولي والتنمية ضمن وزارة الخارجية لتصبح "وزارة الخارجية والتعاون الدولي". وفي عام 2017 تم إطلاق سياسة الإمارات للمساعدات الخارجية لضمان وصول المساعدات على أحسن وجه
الاستجابة الطارئة والإنسانية
تقدم دولة الإمارات مساعدات إنسانية لإنقاذ الأرواح وتخفيف المعاناة وحماية الكرامة الإنسانية في ظل الأزمات. وقد ساهمت الدولة في مجموعة واسعة من حالات الطوارئ الإنسانية من خلال العمل متعدد الأطراف، وكذلك من خلال المساعدة المباشرة، حيث قدمت أكثر من 40 جمعية خيرية ومؤسسة حكومية وشركات خاصة مساعدات إنسانية للمحتاجين. كما أنشأت دبي المدينة الإنسانية الدولية في موقع استراتيجي لاستضافة المنظمات الإنسانية والشركات التجارية، ليصبح أكبر مركز للعمل الإنساني في العالم
وقد زادت التحديات الإنسانية بشكل كبير في السنوات الأخيرة. ففي ظل الأزمات والكوارث التي يشهدها العالم، يتعذر إيجاد حلول ناجعة وسريعة لهذه الأزمات بسبب نقص التمويل، وتعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أكثر المناطق حاجة لهذه المساعدات والتي تأوي أكثر من نصف اللاجئين والنازحين في العالم
وتنوي دولة الإمارات زيادة جهودها في مجال الإغاثة الإنسانية في السنوات المقبلة لمساعدة الأشخاص في جميع أنحاء العالم. وقد التزمت بتخصيص ما لا يقل عن 15% من إجمالي مساعداتها الخارجية في هذا المجال، مما يجعلها واحدة من أكثر المانحين في مجال الإغاثة الإنسانية. وتشمل جهود دولة الإمارات في مجال الإغاثة الإنسانية الاستجابة المباشرة والسريعة لحالات الطوارئ، فضلاً عن المساهمات المقدمة إلى المنظمات متعددة الأطراف للتخفيف من معاناة الشعوب المنكوبة
مستقبل المساعدات الخارجية
تهدف دولة الإمارات في السنوات القادمة إلى دعم المنظمات التنموية والإنسانية والخيرية المحلية، التي تتظافر جهودها في المساعدات الخارجية جنبا إلى جنب ما تقوم به الحكومة ومؤسساتها في هذا الجانب. كما تهدف إلى توسيع نطاق الشراكات مع المنظمات متعددة الأطراف الفعالة وذات الصلة، والبحث عن فرص لإشراك القطاع الخاص كعنصر أساسي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. وفي العام 2021 الموافق للذكرى الخمسيين لتأسيس الدولة، احتفلت دولة الإمارات بتعزيز مكانتها ضمن أكثر الدول المانحة للمساعدات الإنسانية والإغاثية في العالم
احتفاء دولة الامارات بيوم زايد يسلط الضوء على مسيرة هذا القائد الذي قدم للعالم نموذجاً فريداً للعطاء الإنساني للبشرية، حتى أمست مدرسة الشيخ زايد في العمل الإنساني مصدر إلهام متجدد للعالم أجمع، والنهج الذي سار عليه أبنائه وأحفاده من بعده لتبقى الإمارات دائماً في الصدارة في كافة المجالات الإنسانية. ويشير أحد الكتاب الغربيين ويدعى ويلسون في كتابه إلى أنه مع تنامي العائدات المالية للدولة الاتحادية ارتفع مستوى الطموح عند الشيخ زايد في أعمال الخير والمساعدات الإنسانية، خصوصاً أنه كان قد زار العديد من بلدان العالم الثالث الفقيرة والنامية، وشهد الفقر الذي يلف مناطق كبرى من هذا العالم
وبمنتصف السبعينات من القرن الماضي كان يضع مليارات الدولارات بتصرف المنظمات الخيرية العالمية المعنية بالمساعدات الإنسانية، الأمر الذي وضع الإمارات العربية المتحدة في طليعة الدول المساهمة في ميزانيات هذه المنظمات الدولية. إلى جانب ذلك، كانت الإمارات عضواً قيادياً في "صندوق أبوظبي للتنمية الاقتصادية العربية" الذي أُنشئ لتمويل مشروعات التنمية في البلدان العربية المحتاجة عام 1973، برأسمال 1.5 مليار دولار، وكان المؤسسة الإماراتية الرئيسة المعلن عنها لتقديم المساعدات
وتوسّع عمل الصندوق بعد تأسيسه، فتبنى مشروعات في إفريقيا وآسيا، وقد رفع الشيخ زايد رأسمال الصندوق ليصل إلى 4.4 مليارات دولار، وبذلك تمكن الصندوق من رفع وتيرة نشاطه، فقدم الهبات والقروض الميسّرة التي توزعت على أكثر من 50 مشروعاً بين عامي 1974 و1975، منها 31 مشروعاً في العالم العربي، و10 مشروعات في إفريقيا، و9 في آسيا، وكان الشيخ زايد حريصاً على حسن إدارة الصندوق، وكثيراً ما كان يلغي بعض الديون المترتبة شريطة عدم الإعلان عن ذلك، وكان الاهتمام يتركز في مشروعات البنى التحتية التي من شأنها الارتقاء بحياة الإنسان