فهذه العبارة القديمة المولودة في فهم النصوص أو آراء الأوائل أو ما قيل قبلهم، كان يتطلب ولا يزال متطلباً فهماً صحيحاً، ملائماً ومطابقاً للوقت والزمان حسب مستوى العقل والفهم، والناس في ذلك متفاوتون، لذلك اعتبر بعض أسلافنا أن اختلاف الآراء في جميع الأمور الدينية أو الدنيوية في جميع صورها سياسياً كان أو اقتصادياً رحمة، لأن الشرائع كلها ملازم للإنسان أينما كان وفي أي وقت يحتضنه، فيسهل للمرء أن يكون محافظاً لعقائده وعاداته، أينما وجد لأنه هيئ له الخيار والعمل بالأنسب.
فليس من العيب بين الناس أن يختلف المرء مع أخيه، فالنزاع أمر طبيعي ملتصق به كإنسان مكتمل حواسه، فهو لا يرى دائماً بنفس ما يراه الآخر، فيقع الخلاف بشرط أن يعتمد الخلاف على العقل السليم وعلى سند مقبول صحته، أو على التجارب العلمي أو العملي، فيقوى ما يذهب به مع رأيه للرخص المتاحة له. وإلا، لا يكون الخلاف معتبراً متميزاً إذا كان مزيفاً جزافاً لا عقلانياً ولا شرعياً، بل الخلاف من أجل الخلاف ليقوى التهم والشجار والتباغض، ونسوا أن الخلاف له قواعد شرعية لابد من توفرها في مواقف الخلافات
فمن رحمة الاختلاف النتيجة المرجوة المنتظرة بين الجانبين، لأنه لابد من مولد فكرة جديدة تكون أكثر نفعاً من بين الجانبين؟
فمن حق الآدمي أن يسمع له قوله ويعطى قيمته لاجتهاده في تفكيره وأن يكون له رأي، ولكن بحسب معرفتي وفهمي ومعايشتي الخلافات أنه ليس هناك رأي سيء بذاته، بل يكون سبقه الأوان أو تأخره، يصعب العمل به فيعطى في نفس الوقت صورة سيئة في النظرة المجردة، ففكرته هذه أخي الكريم ممتازة لو صادف الوقت ولكن مع تأخره عن وقت احتياجنا إليه فقد أصبحت مع الأسف لا يلقى إليه السمع، فقد فاتت الأوان فما يسع بيننا وبين أخينا وجود الاحترام ويتم بيننا الوئام والاعتراف بحق كل فرد، فهذا المتأخر يتحمل مسئولية تأخره فيرضى ويفهم أن الوقت كالسيف إن لم تقطعه يقطعك، فمسألة الوقت واستدراكه بأسرع وقت ممكن، هو الركن الأول في التطورات المهني وتقدم الدول
أسوق كل هذا الكلام لأبين لك أخي القارئ هذه الفلسفة العظيمة والتي تتولى المركز الأول في الحياة الاجتماعية، فعلى الإنسان قبل أن يكون رجلاً اجتماعياً يبقى متعاوناً للفوز والإنجازات، لا أن يكون عرقلة في خدمة الرجعية وفشل الحياة. من قديم الزمان وقبل أن يكون الإنسان في صورته البشرية والمجتمع في شقين، شقة تعلو على الأخرى بأية وسيلة سلمية كانت أو بطريقة أخرى فتأخذ الحكم، وهذا ما سجله التاريخ وعرفته الأمم وحتى حين وصلت النهضة وحقوق الإنسان من حق الاختيار وحق التصويت والناس يتصارعون ويشتاقون إلى الحكم، معارضة تنادي بإزاحة الحكم والإنزال به وحزب حاكم ترفض وتقوم صادماً قوية
لماذا ترفض الحزب الحاكم بترك كرسي الحكم ؟
أنا لا أدري ولا أتولى الجواب، فقد يكون في ذلك أسباب هي في مصلحة الدولة أو خوفاً من وضع الأمانة في أيد أقوام في تصورهم ليسوا مؤهلين لحمل الدولة، فيخشون إضاعة أمانة الدولة ورميها في قوم ضعاف، فيكون الحكام هم المسئولون لمستقبل مجهول. وأنا حقا دون ميل لأي جانب، ولكن أنا من الخائفين من هذه المعارضة التي عسى أن تكون نقمة على الشعب، وأكثر خشونة وفساداً أشد على ما نعيشه من طلاق لحياة أفضل وتزايد البطالة والفقر، وهذه الميزانية تعمل دوماً لإهانة الشعب، ميزانية لا تغطي شبرا من حقوق الشعب
دولة لم تقدر حتى الآن النظر إلى الحياة اليومية للفرد، رغم أن الواحد منهم يحاول الحصول على مكافأة هي أعظم وأقدر على تحسين حياة المآت من الشعب، وذلك بعض من بعض، ومما يعطي ساحة للمعارضة وفرصا للكلام هي عضوية من لا يستحقون مكاناً لهذا الحكم، فهم ليسوا أهلاً للطفولة التي يتحلونها، ولا أقصد طفولة العمر بل المستوى المعرفي والثقافي والتوسع العلمي، وهذا هو المرض الذي تعاني بها الدولة. فمعظم رجالها ليسوا متفتحين، وبالمقابل معارضة عمي لبسوا جلابيب الخداع، وبحبهم للحكم أن يوقعونا في حفر يخشى النجاة منها، وحتى لا أكون مسئولاً أمام الله، أنادي إلى التعقل والفهم لهذا الجو الغاشم المغطى بغيومها الغليظة السوداء
الموجه التربوي
عبد الله عبد الله عبد الوهاب