logo Al-Watwan

Le premier journal des Comores

فضل الأشهر الحُرم: ما أحوجنا للحياء هذه الأيام

فضل الأشهر الحُرم: ما أحوجنا للحياء هذه الأيام

الوطن بالعربية |  | ---

image article une
ما أحوجنا للحياء هذه الأيام ! فلقد خرج كثير من الناس عن خُلق الحياء، وأصبحنا نرى في الشوارع ما تقشعرّ منه القلوب والأبدان، وإن العبد ليخجل من لُبْس بعض الشباب والشابات، ومن تصرفاتهم في الشوارع، ومن فَسْخ الحياء لدى البعض أمام الناس، فما أقبح بالمرأة أن تكون كالرجل في كلامها ومخالطتها للرجال، فما يزين المرأة مثل حيائها، وكذلك الرجل.

 

إن الأخلاق الفاضلة كثيرة، وعلى المسلم أن يسعى جادًّا في التخلق بها، وهي إنما يكتسبها الإنسان بالسعي لها، والحرص عليها، والصبر عن ضدها حتى تكون خلةً دائمة لا تنفك عنه وكأنه فُطِرَ عليها. وإن من الأخلاق الفاضلة التي حثّ عليها الشرع ودعت إليها الفطرة: خُلُق الحياء، فمن فضله عده المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم- من شُعَب الإيمان، كما أخرج البخاري من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وآله وسلم: «الإيمان بضع وستون شعبة والحياء شعبة من الإيمان»

وقد قال ابن مفلح الحنبلي حول الحياء: "وحقيقة الحياء خُلُق يبعث على فعل الحسن وترك القبيح". ومن فضل الحياء أن الله -جل وعلا- اتصف به كما أخرج أبو داود في سننه من حديث يعلى بن أمية قال صلى الله عليه وآله وسلم: «إن الله -تعالى- حيي ستير يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر». قال ابن القيم: "أما حياء الرب -تبارك وتعالى- من عبده، فنوع آخر لا تدركه ولا تكيّفه العقول فإنه حياء كرم وبرّ وجود؛ فإنه كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرًا، ويستحي أن يُعذّب شيبة شابت في الإسلام"

ولا شك أن هناك فرق بين حياء المخلوق والخالق، فحياء المخلوق خُلق يخلقه الله -جل وعلا- في نفس الإنسان، يناسبه كمخلوق، وخلق الخالق صفة من صفاته ليست بمخلوقة ولا يمكن معرفة كيفيتها، بل نجزم بأنه لا يشبه حياء المخلوق، لأن الله يقول عن نفسه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11]

وحياء الإنسان على نوعين: غريزي بمعنى فطري؛ بمعنى أن الله فطر المخلوق على ذلك، وحياء مكتسَب يكتسبه الإنسان بترويض نفسه عليه، وهذا هو المطلوب من العبد شرعًا، وهو أحد شُعَب الإيمان وهو محور حديثنا. قال المناوي: "والحياء نوعان: نفساني وهو المخلوق في النفوس كلها كالحياء من كشف العورة والجماع بين الناس، وحياء إيماني وهو أن يمتنع المسلم من فعل المحرم؛ خوفًا من الله"

وإن من أعظم فوائد الحياء المكتسب أنه يرد العبد عن فعل المعاصي، حياء من الله، قال ابن القيم -رحمه الله: "ومن عقوباتها -الذنوب- ذهاب الحياء الذي هو مادة الحياة للقلب، وهو أصل كل خير وذهابه ذهاب كل خير بأجمعه، وفى الصحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الحياء خير كله»، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت»؛ وفيه تفسيران أحداهما أنه على التهديد والوعيد؛ والمعنى: من لم يستحِ فإنه يصنع ما شاء من القبائح، إذ الحامل على تركها الحياء، فإذا لم يكن هناك حياء ينزعه عن القبائح فإنه يواقعها، وهذا تفسير أبي عبيدة. والثاني أن الفعل إذا لم تستحِ فيه من الله فافعله، وإنما الذي ينبغي تركه ما يستحي فيه من الله، وهذا تفسير الإمام أحمد في رواية ابن هاني

وإن الحياء يجلب الطاعة، والطاعة تجلب الحياء؛ فإن الحياء متولد من تعظيم الله ومن محبته -جل وعلا-؛ قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "من قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه". ولقد أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الناس بالحياء وحثّهم عليه، فمن ذلك ما أخرجه البيهقي في الشعب من حديث سعيد بن زيد أن رجلاً قال: يا رسول الله أوصني. قال: «أوصيك أن تستحي من الله كما تستحي رجلاً من صالحي قومك»

فلتق الله ولنلتزم بخلق الحياء فإن الحياء لا يأتي إلا بخير وبالله التوفيق

محمد حسين دحلان

باحث في الشريعة الإسلامية

وخطيب في جوامع موروني

تعليقات