logo Al-Watwan

Le premier journal des Comores

فلسفة الإسلام في عقوبة الإعدام

فلسفة الإسلام في عقوبة الإعدام

الوطن بالعربية |  | بقلم الدكتور/ سيّد عبد الله سيّد أحمد جمل الليل مدير مكتب دار الافتاء القمري

image article une
لقد كرَّم الله عزَّ وجلَّ الإنسانَ تكريمًا بالغًا، حيث خلقه في أحسن تقويم، وحَملهم في البرِّ والبحر، وخصَّهم بأنواع المطاعم والشراب، وكرَّمهم بالنطق والتمييز، والعقل والإرادة الحرة، وتسخير الكون له، إلى غير ذلك من مظاهر التكريم والتفضيل {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء:70]. ومِن ثَمَّ فليست هناك قيمة مادية في هذه الأرض تعلو على قيمة هذا الإنسان، أو تهدِّد من أجلها قيمته.

 

ومن تكريم الله سبحانه وتعالى لهذا الإنسان أن منحه مجموعةً من الحقوق والواجبات ليحكم حياته ويرتقي بها، ويعتبر الحقُّ في الحياة هو الأساس الذي تُبنَى عليه باقي الحقوق. وقد كفلت الشريعة الإسلامية حقَّ الحياة لجميع من هم على وجه المعمورة بشراً كانوا أم غير ذلك، ولم يفرِّقْ في هذا الحقّ بين إنسانٍ وآخر، حتى الجنين في بطن أمِّه حفظ الله له الحق في الحياة، فمنع الاعتداء عليه بما يؤدّي إلى مجرَّد إلحاق الضَّرر به أو بأمّه. وقد فرضت الشريعة الإسلاميَّة لأجل الحفاظ على ذلك الحقّ العديد من الأحكام، وسنّت العديد من العقوبات لمن يتعدّى على ذلك الحقّ. إنَّ إزهاقَ روح الإنسان هو انتهاك سافرٌ لأول حقٍّ من حقوق الإنسان، وهو حقُّ الحياة، وهو محرَّمٌ مطلقا بالكتاب والسنة، ومعاقَبٌ عليه أشدّ عقاب في الدنيا، أما في الآخرة فجزاؤه العذاب الشديد طبقا لما جاء في كتاب الله

وتعدُّ عقوبة الإعدام من أشدِّ العقوبات البدنيَّة التي يقرِّرها أيُّ قانونٍ، وطبقت بكثرة على جرائم تتسم بالخطورة، كانت الغاية منها استئصال المجرم وتخليص المجتمع من العنصر المخلّ بأمنه، ودفع للفساد عن الناس وإحلال السلام لهم. ولقد طبقت عقوبة الإعدام في كلِّ المجتمعات تقريبًا، القديمة منها والمعاصرة، وتنوَّعت الاجتهادات القانونية حول الجرائم الموجبة لها، واختلفت الدُّوَل في تكييفها وتصنيفها، مثل: جريمة القتل والتجسُّس والخيانة العظمى والتسميم والجرائم الجنسية والاتجار بالبشر والاتجار بالمخدرات وغير ذلك. وجاء الإسلام وأقرَّ القصاص (الإعدام) كعقوبة رادعة لبعض الجرائم، كالقتل العمد

فهل يتعارض مبدأ الحقّ في الحياة مع عقوبة الإعدام التي تنفذ ضدّ المجرمين القتلة؟ وهل ينبغي النظر إلى الإنسان المجرم كالإنسان المريض الذي لا ذنب له في مرضه؟

 

 

ترى منظمة العفو الدَّولية أن عقوبة الإعدام تنتهك هذه الحقوق. لكن يجب أن لا ننسى أن القاتلَ هو نفسه الذي ينتهك حق الحياة في حقِّ إنسانٍ آخر، وأنَّ الضَّحية الذي تعرَّض للقتل من حقه أن يظلَّ حيًّا يتمتع بالحياة، أليس هذا من حقه؟ ويتساءل البعض: هل الذي قتل شخصًا بطريقة وحشيَّة، أو اغتصب طفلة صغيرة بريئة بدم بارد وقطع جثتها إلى أطراف ورماها في الخلاء بطريقة قاسية، أو قام بطعن زوجته مع سبق الإصرار عدة طعنات ليرديها قتيلا، أو قام بربط إنسانٍ وحبسه داخل سيارة وإشعال النار عليه فيها، هل هذا الشخص المجرم يعتبر إنسانا يتمتع بصفات الإنسان؟ صفات الإنسان التي هي العقل الذي يميز بين الخير والشر، الإنسان الذي يعامل الناس كما يحب أن يعاملوه

إنَّ فلسفة عقوبة الإعدام في الشريعة الإسلامية تقوم على مبدأ الموازنة بين حق الضَّحيَّة في الحياة واستحقاق المجرم للعقوبة، وبين حفظ الحق الفردي للإنسان، وبين حفظ الحقِّ العام للمجتمع، واعتبار عقوبة الإعدام شخصيَّة لا تطول إلاَّ مرتكب الجريمة، كما أنها عامَّة لا يستثنى منها أحدٌ. وكما قرَّر الإسلامُ مبدأ المساواة أمام القانون بين الناس جميعًا، كذلك ساوى في التشريع بين العقوبة وبين حجم الجريمة وخطورتها على المجتمع، إذ إنَّ قسوة العقوبة من وحشية الجريمة، قال تعالى: {وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها} [الشورى:40]، وقال: {وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَه} [المائدة:45]، ومعنى هذا أن يوقع على الجاني مثل ما جنى أي أن يفعل بالفاعل مثلما فعل. فوجود التناسب بين العقوبة وبين الجريمة الواقعة وظروفها وظروف مرتكبها وظروف المجتمع ومدى خطورتها، كل هذه من الأمور المهمة في السياسة الجنائية، لتحقيق العدالة

إن مفهوم الحق في الحياة يقابله واجب عدم الاعتداء على الحقِّ في الحياة لإنسان آخر، {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ} [الإسراء:33]، إنَّ الغاية من شرع القصاص هو المحافظة على الحياة، كما قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} [البقرة:179]. فهو يؤدِّي إلى الحفاظ على حياة الإنسان الذي يريد أن يكون قاتلاً، وعلى حياة الإنسان الذي يراد قتله، وعلى حياة أولياء المقتول، وكذلك على حياة غيرهما من الناس جميعا، وفي هذا المعنى يقرِّر الفقهاء "أنَّ العقوبات موانع قبل الفعل زواجر بعده"

والخلاصة: إنَّ الإسلام قد شرع عقوبة القصاص (الإعدام): 1- زجرًا للنفوس عن العدوان. 2- وحفظا للنفوس والأطراف. 3- وعدلاً بين القاتل والمقتول. 4- وشفاءَ غيظ المجني عليه أو أوليائه. 5- وطهرةً للمقتول. 6- وحياةً للنوع الإنساني. ومع أن الإسلام يقر عقوبة الإعدام لمن تجرأ على الحق المقدس في الحياة، إلا أنه يتشدد في الضوابط الشرعية لها ويحذر من التساهل فيها والجرأة عليها، ومن هذه الشروط: 1- الأهليَّة الجنائيَّة: بأن يكون الجاني بالغًا عاقلاً مختارًا غيرَ مكرَهٍ. 2- تمخض القتل عمدًا عدوانا ظالما غير مدافع عن نفسه. 3- إثبات الجريمة بالبينة بيقين: الإقرار أو الشهود، وتدرأ العقوبة بالشبهات، فإذا دخلتْ الشبهة توجّب إيقاف العقوبة المحددة تجاه هذه الجناية والنزول إلى عقوبات أدنى، وهذه يقدِّرها القضاء العادل. 4- عقوبة القصاص (الإعدام) شخصيَّة لا تطول إلاَّ مرتكب الجريمة. 5- القصاص في القتل العمد حقٌّ لأولياء الدَّم، وهم مخيرون بين: القصاص، والدية، والعفو. 5- تنفيذ القصاص وإقامته حقٌّ لوليِّ الأمر، وليس لآحاد الناس الافتيات به

وبعد، فإن عقوبة القصاص (الإعدام) في الشريعة الإسلاميَّة، عقوبة ثابتةٌ بنصوص الكتاب والسنة والإجماع والمعقول، بالحكمة المذكورة، وبالشروط والضَّوابط التي بيَّنها الفقهاء. فهل ستعيش جزر القمر حياة طبيعيَّة آمنة مطمئنة لا تشوبها عنف أو قتل بسبب تنفيذ حكم الإعدام على القتلة المجرمين، هذا ما نرجوه بإذن الله، والله أعلم وأحكم

تعليقات