بعد ثلاثة أيام من المداولات المناقشات، اختتمت يوم الأربعاء 6 سبتمبر الجاري القمة التاريخية، التي احتضنتها العاصمة الكينية، والتي توجت بتوقيع المشاركين عن "إعلان القادة الأفارقة في نيروبي بشأن تغير المناخ والدعوة إلى العمل". وجاء في النسخة النهائية للوثيقة أن "هذا الإعلان سيشكّل أساساً لموقع إفريقيا في عملية (مكافحة) تغيّر المناخ العالمية". وسعى الزعماء إلى إصدار نداء موحّد لتسليط الضوء على إمكانات النمو الأخضر للقارة في حال عزّز العالم المساعدة عبر تكثيف التمويل ودعم الديون
وفي القمة التي افتُتحت أعمالها يوم الاثنين 4 سبتمبر الجاري في نيروبي، بحضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي غزالي عثمان ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين وبمشاركة رؤساء أفارقة وزعماء دول أخرى ومبعوث الرئيس الأميركي الخاص لشؤون المناخ جون كيري، دافع الرئيس الكيني وليام روتو عن خطاب ركّز على تسريع التحوّل إلى الطاقة النظيفة في إفريقيا، حيث يعدّ السكان من الأكثر تأثّراً بتغيّر المناخ
التوصل إلى إجماع داخل قارة يعيش فيها 1.2 مليار نسمة في 54 دولة متنوّعة سياسياً واقتصادياً، لم يكن بالأمر السهل، حيث تسعى بعض الحكومات إلى مستقبل يركّز على الطاقة المتجددة في حين تعتمد حكومات أخرى على موارد الوقود الأحفوري. ودعا البيان الختامي المجتمع الدولي إلى المساعدة في تحقيق هذا الهدف، من خلال تخفيف عبء الديون الهائل عن القارة وإصلاح النظام المالي العالمي، الأمر الذي سيفتح المجال أمام الاستثمارات، إضافة إلى مطالبة الجهات الملوِّثة الغنية باحترام وعودها بتمويل المناخ
وتعطي قمة نيروبي زخماً للعديد من الفعاليات الدولية الرئيسية قبل مؤتمر الأمم المتحدة حول المناخ (كوب28)، انطلاقاً من قمة مجموعة العشرين التي ستُعقد في الهند يومي السبت والأحد المقبلين، مروراً بالجمعية العامة للأمم المتحدة التي ستُعقد هذا الشهر، وبالاجتماع السنوي للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي الذي سيُعقد في مراكش في أكتوبر المقبل. وستُتوّج هذه المفاوضات بمؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (كوب28) في دبي في نهاية شهر نوفمبر المقبل الذي من شأنه أن يفتح الباب أمام مناقشات حيوية بشأن إنهاء الاعتماد على الوقود الأحفوري
وبالإضافة إلى الإمكانات الطبيعية لتوليد الطاقة النظيفة مباشرة (الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحرارية الأرضية)، تعدّ القارة أيضاً موطناً لـ40 في المائة من احتياطات العالم من الكوبالت والمنغنيز والبلاتين، الضرورية للبطاريات والهيدروجين. وبوجود قوة عاملة شابة وموارد طبيعية هائلة، تستطيع أفريقيا أن تساعد في إيجاد بديل للوقود الأحفوري الملوث
إصلاح النظام المالي الدولي
ودعا الزعماء الأفارقة المجتمع الدولي إلى مساعدتهم على الاستفادة من إمكانات القارة في مكافحة ظاهرة احترار المناخ، من خلال الاستثمارات وإصلاح النظام المالي الدولي. وطالبت الدول الإفريقية المجتمع الدولي بالمساهمة في "زيادة قدرة إنتاج الطاقات المتجددة في إفريقيا من 56 غيغاوات في العام 2022 إلى ما لا يقلّ عن 300 غيغاوات بحلول عام 2030 لمكافحة الافتقار إلى الطاقة وتعزيز الإمدادات العالمية من الطاقة النظيفة والمربحة"
ودعت الدول الإفريقية قادة دول العالم إلى "تأييد طرح فرض نظام ضريبة على الكربون الذي يشمل ضريبة الكربون على تجارة الوقود الأحفوري والنقل البحري والطيران، التي يمكن زيادتها أيضاً من خلال فرض ضريبة عالمية على المعاملات المالية". ودعا البيان، الزعماء الأفارقة إلى إقامة تحالف عالمي ملتزم بتأمين انتقال قارتهم إلى اعتماد الاقتصاد الأخضر والتوازن البيئي. مشددا على تأكيد الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي بأن درجة حرارة أفريقيا ترتفع بشكل أسرع من بقية دول العالم، وهو ما سيؤدي إلى إحداث آثار سلبية على الاقتصادات والمجتمعات الأفريقية، معربا عن القلق من أن العديد من البلدان الأفريقية تواجه أعباء ومخاطر غير متناسبة مع الأنماط الجوية غير المتوقعة المرتبطة بتغير المناخ، بما في ذلك فترات الجفاف الطويلة، والفيضانات المدمرة، وحرائق الغابات، التي تسبب أضرارًا هائلة
تعهدات استثمارية بـ23 مليار دولار
وكان الهدف من خلال قمة المناخ الأفريقية الأولى تسليط الضوء على الموارد غير المستغلّة للطاقات المتجدّدة، من أجل تمكين البلدان الأفريقية من التنمية الاقتصادية مع المشاركة في مكافحة ظاهرة احترار المناخ، التي تعدّ هذه البلدان من الأكثر تضرّراً منها. وقال المشاركون إنّ "أفريقيا لديها القدرة والطموح على حدّ سواء لتكون جزءاً أساسياً من الحل العالمي لتغيّر المناخ". مضيفين أنّه من أجل إطلاق إمكاناتها "على نطاق يمكن أن يساهم بشكل كبير في إزالة الكربون من الاقتصاد العالمي، سيكون من الضروري مضاعفة التدفّقات الحالية لتمويل التنمية والاستثمارات". مقترحين بإنشاء "هيكل تمويلي جديد يتكيف مع حاجات أفريقيا بما في ذلك إعادة الهيكلة وتخفيف عبء الديون" التي تلقي بعبء ثقيل على اقتصاداتها
ولفت الرئيس الكيني الذي استضافت بلاده القمة إلى أنه تم تقديم تعهدات استثمارية بقيمة 23 مليار دولار في مجال الطاقات المتجددة خلال القمة التي استمرت ثلاثة أيام، بينها 4.5 مليارات دولار من الاستثمارات من جانب الإمارات
من جانبه، دعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى جعل إفريقيا "قوة عظمى في مجال الطاقة المتجددة". وقال أنطونيو غوتيريش "الطاقات المتجددة يمكن أن تكون المعجزة (الاقتصادية) الإفريقية". وفي تقرير صدر الأربعاء الماضي، حثّت وكالة الطاقة الدولية والبنك الإفريقي للتنمية الجهات المانحة والمؤسسات الدولية، على زيادة "التمويل الميسّر" أي بمعدّلات تفضيلية، بمقدار عشرة أضعاف من أجل تشجيع الاستثمار الخاص في قطاع الطاقة