ولكي نسجل مآسينا يلزمنا بحر من الحبر، وغابات من الورق ولن تنضب، ولو عملنا كتابا ومدونين وصحفيين ومذيعين ليل نهار، فحكاياتنا المؤلمة مع الاحتلال لا تنتهي… ففي بلادنا فلسطين الحزن فيها مقيم، أهلها يستحضرون ذكرياتهم، ذكريات الزمن الجميل من الماضي البعيد، فمثلا أن بدأنا بقصة الفيلق مخيم جنين أسطورة المقاومة من أجل البقاء من أجل الكرامة ومن أجل الحرية، هو عبارة عن بيوت صغيرة جدا متلاصقة في بعضها البعض، زقاقها لا يتجاوز عرضها السنتمترات، هذا المخيم الذي جاء على أرض جنين وتكون من أناس مهجرين قصرا بعد نكبة 1948، حينما أطبق عليهم ليل الفاجعة، حيث قامت عصابات الاحتلال الصهيوني والتي كانت تسمي نفسها بأسماء عدة منها عصابة -بلماح، شتيرن، هاجاناه، آرجون، بيتار- بارتكاب المجازر وتشريد الأهالي من بلادهم قصرا، وذلك بقتلهم وتصفياتهم جماعات، بلا رحمة بلا شفقة بدم بارد، في عام النكبة وهو 1948 أطلقوا رشاشات نيرانهم على الناس الآمنين في بيوتهم وأراضيهم، كانوا فلاحين محبين لترابهم هم بسطاء، فشرودهم في الجبال والوهاد والوديان، كانت مثل يوم القيامة وبالوصف الدقيق ترى الناس سكارى وما هم بسكارى، نعم إنه يوم الفزع الأكبر، فمن الأمهات من حملت الوسادة بدلا من طفلها الرضيع من هول الفاجعة والخوف والرعب
باختصار شديد، مخيم جنين جاء بعد النكبة مكون من أناس هجروا من بلاد البرتقال والليمون والمانغا، هم من حيفا ويافا وتل الربيع وأم خالد التي هي تل أبيب حاليا، يعني أصبحت من ضمن البلاد التي تحت حكم الاحتلال الاسرائيلي بدولته المزعومة اسرائيل التي قامت على انقاضنا نحن الشعب الفلسطيني، وقيسارية والكرمل بجبالها وقراها، زرعين، الكفرين، اجزم، المزار، صبارين،،،،، جميعهم من القرى التي هجر منها أهلها. لكن لماذا التضحيات في المخيم هم لاجئون عاشوا التشريد والتهجير والتنكيل وعذاب الفقدان مع الفقر، بعد أن كانوا معززين مكرمين في أملاكهم، فكانت فكرة المقاومة رد فعل طبيعي
وهنا سأروي لكم جزءا بسيطا من قصص مخيم عنقاء الرماد، جنين، وبالتحديد قصة المناضل والأسير البطل زكريا الزبيدي. تنحدر أصوله بلدته إلى قرية جسر الزرقاء القريبة من قيسارية المحتلة عام 1948، والتي تقع في لواء حيفا بفلسطين، جميع أهلها فلسطينيون تطل على البحر الأبيض المتوسط، والده محمد الزبيدي أستاذ لغة انجليزية، تم منعه من التدريس من قبل الاحتلال الإسرائيلي بتهمة انتماءه لحركة فتح
وكان ناشط في مجال السلام، لم يمهله القدر طويلا، فقد مات من ظلم الاحتلال من سجنهم له باستمرار، ليترك خلفه أطفاله الصغار بعمر الزهر وزوجته سميرة التي كانت محبة وحالمة، كانت تقول السلام ممكن مع الاسرائيليين، فخصصت الجزء العلوي من بيتها مسرحا لتدريب الأطفال مع الناشطة الاسرائيلية لحقوق الإنسان أرنا مرخميس، وكان زكريا الذي يبلغ من العمر 12عاما وإخوانه وأطفال آخرين جوهر الفرقة، لكن المسرح لم يدم للفلسطيني طويلا وكأنه كتب عليه بالقدر ممنوع أن يكون ممثلا مسرحيا أو فنانا تشكيليا، فهجوم الجيش الاسرائيلي بشكل مستمر جعل من الصبية الفنانين مقاومين، أصيب زكريا برصاصة في ساقه ولم يفلح العلاج في شفائها لتصبح قدم أقصر من الأخرى استغرق علاجه أكثر من ستة أشهر وبعد سنتين تم سجن هذا الطفل الذي كان يحلم بان يكون فنانا، ليصبح ممثلا بالسجن عن الأطفال في المحاكم الاسرائيلية، كان عمره13عاما وخلال فترة وجيزة من خروجه من السجن استمر النضال والكفاح من أجل البقاء، مرة أخرى عاد إلى السجن وحكم عليه أربع سنوات ونصف، كانت كفيلة بأن تصقل هذا الفتى اليافع ليخرج بشهادة لغة عبرية ويصبح ناشطا سياسيا
جاءت الانتفاضة الثانية في عام 2001 استشهد صديق زكريا، الذي كان قلبه النابض، في مجزرة جنين ليكون آخر لقاء لهما على أرض الأحلام التي جمعتهم بالمحبة والوفاء والذكريات. توالت النكبات والأحزان على الزبيدي فخلال فترة وجيزة، ألقيت أمه شهيدة أما م نافذة جيرانهم وبعد شهر استشهد شقيقه ورفيقه وقرة عينه داوود. وللقصة بقية. وبمناسبة عيد الفطر لعام 1023 كل عام وأنتم في جزر القمر بألف خير وأمان وسلام وحب ودفء
بقلم المذيعة عبير الشمالي
تلفزيون فلسطين