وإن تنمية الوعي بأهمية وحدة المسـلمين كما يأمرهم الإسلام هي النقطة الأساس الأولى في سبيل التغلب على الواقع المؤلم الذي أوجده هذا التفرق، وأفرزته هذه الإقليمية المقيتة
ولقد نقلت الإقليمية المسلمين من القوة إلى الضعف، ومن الغنى إلى الفقر، ومن الأخوة إلى العداوة، وولدت بينهم بؤرًا بركانية قابلة للانفجار في أية لحظة
ونحن بحاجة ماسة إلى بيان حكم الوحدة بين المسلمين، إن واقع المسلمين اليوم، يشهد شهادة لا ريب فيها، أنهم في غفلة تامة عن حكمها، فضلاً عن عجزهم عن تطبيقها، أو السعي إليها، والقليل منهم الذي وفَّقه الله لإدراك أهميتها، فعمل من أجلها وجاهد في سبيل تحقيقها
وإن أهم خصائص هذه الأمة أنها أمة واحدة، قال الله عز وجل {وَإِنَّ هَـاذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَتَّقُونِ} [المؤمنون: 51]. ولذلك فإننا نقول: الوحدة بين المسلمين واجبة، بنصوص القرآن والسنة
ولقد تنوعت أساليب القرآن والسنة في الدلالة على وجوب الوحدة، فتارة تأمر بالوحدة أمرًا صريحًا كما في قول الله -عز وجل {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُم أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مّنْهَا كَذلِكَ يُبَيّنُ اللَّهُ لَكُمْ ءايَـاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103]
قال القرطبي رحمه الله "فإن الله تعالى يأمر بالألفة وينهى عن الفرقة، فإن الفرقة هلكة، والجماعة نجاة"، ورحم الله ابن المبارك حيث قال: إن الجماعة حبـل الله فاعتصموا منه بعروته الوثقى لمن دانَ. وأخرج الطبري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال "حبل الله الجماعة
وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةِ الْمَالِ
فهذه الأدلة تأمر المسلمين بالأخذ بكل ما يزيد المحبة بينهم، والنهي عن كل ما يولد البغضاء في صفوفهم، وتأمرهم صراحة بأن يكونوا إخوة، ولا يمكن للمسلمين أن يكونوا إخوة إلا إذا كانوا متحدين، فإن الأخوة ضد الفرقة والاختلاف
إن ما ظفر به أعداء الأمة من سطو واستيلاء لا يرجع إلى خصائص القوة في أنفسهم بقدر ما يعود إلى آثار الوهن في صفوف أصحاب الحق، فالفُرقة تجعل هلاك الأمة بيد أبنائها في سلاسل من الحروب في غير معركة، وانتصارات بغير عدو
إن الغرب النصراني أدرك أن وحدة أي أمة من الأمم سواه خطر عليه، فأوروبا لم تستطع كتمان حلمها في تفكك الاتحاد السوفيتي الذي يمثل خطرًا حضاريًا، عسكريًّا عليها، فساندت بكل قواها حركات التحرر التي قامت بها دويلاته، حتى استراحت من أحد مصادر القلق الذي كان يؤرق راحتها، وبقي لها عدو آخر هو التحدي الذي يمثله العالم الإسلامي
إن العالم الإسلامي بتفرُّقه وتنازعه لا يشكل أي هاجس خوف لأحد، لكن العالم الغربي الصليبي يخشى أن يستيقظ المسلمون من نومهم، فيسارعوا إلى الأخذ بأسباب القوة، والعودة إلى الوحدة
وفي جزر القمر مازال المستعمر يستغل كافة الفرص المتاحة له سواء كان في المجال السياسي أو الاجتماعي أو الرياضي لبث الفتنة بين أهل مايوت وإخوانهم القمريين من أصول الجزر الأخرى، باستعمال كافة المغريات من أموال ووعود كاذبة بأنه سيجعلهم يعيشون في رخاء إذا وافقوا على البقاء تحت استعماره
ومن هنا نقول إن الحفاظ على وحدة الأراضي القمرية المتمثلة من جزرها الأربعة أمر ديني واجب على كل مسلم قمري غيور على دينه. فالحفاظ على وحدة الأرض لا يحتاج على أمر أحد، بل هو أمر، واجب شرعي، وفريضة، واقعية. والسكوت عن واجب الدفاع على الوطن يعتبر جريمة كبيرة
محمد حسين دحلان
باحث في الشريعة الإسلامية
وخطيب في جوامع موروني