وتبلغ صفحات الكتاب 150 صفحة من العيار المتوسط، يأتي الكتاب في سياق سلسلة من الإنجازات القيمة لأهداف المؤسسة على مستوى إحياء الذاكرة والتراث الإسلامي الأفريقيين، بما يشمل المحافظة على منابع الهوية الأفريقية الأصيلة، والحصون الحصينة لقيم الاعتدال والتسامح لقواعد التدين، بقدر ما تمثل أسس التمسك والالتزام بشعائر الإسلام لدى الشعوب الإسلامية الأفريقية. وكان المحور الأول عن: التعليم العتيق بجزر القمر: بين ماض مفقود ومستقبل منشود، عرض الدكتور عبد الحكيم محمد شاكر، أستاذ الفقه الإسلامي بكليّة الإمام الشافعي في ورقته "تاريخ التعليم العتيق بجزر القمر"، حيث أشار إلى أنّ جزر القمر عرفت التعليم العتيق من خلال الكتاتيب القرآنية والحلقات العلمية في المساجد، منذ انبثاق نور الإسلام في هذه البلاد في حدود الربع الأخير من القرن الهجري الأول ومطلع القرن الثاني (75-122هـ) من مدينة نتساوين الساحلية، وما لبث أن اتسعت حلقاتها باتساع رقعة الإسلام، فكان أول نظام تعليمي وتربوي عرفه الأرخبيل
أمّا الأستاذ محمد عثمان، رئيس قسم الحضارة العربية والإسلامية بالمركز الوطني للوثائق والبحوث العلميّة، فكانت ورقته عن: "واقع التعليم العتيق ومظاهره"، وأوضح أنّ الكتاتيب القرآنية انتعشت وراجت بعد نيل جزر القمر استقلالها عام 1975، مقارنة بفترة الاستعمار (1843-1975م)، حيث شهدت ازديادا مطردا، وتطورا وازدهارا، كما أشار إلى دور الطرق الصوفية والزوايا في إنشاء وتدبير الكتاتيب القرآنية وتربية النشء على التمسك بشعائر الإسلام وآدابه
في حين تولى الدكتور حسن أحمد كاري، عضو هيئة التدريس بكلية الإمام الشافعي، في ورقته بيان: "مزايا التعليم العتيق وخصائصه" وأوضح أن الكتاتيب القرآنية هي الحافظة الأمينة على هوية الأمة وعلى تراثها الثقافي، في وجه الإرساليات التبشيرية وموجات التغريب، الرامية إلى اقتلاع الشعوب المسلمة من جذورها، ونبذها في مهب الريح، دون عقيدة دينية حامية أو تنمية اقتصادية واقية
وختم المحور الأول من أوراق الندوة بورقة الدكتور نور الدين باشا، الأستاذ المشارك بقسم اللغة العربية بكليّة الإمام الشافعي، والتي تمحورت حول: "التعليم العتيق: الوسائل والغايات"، بيّن فيها أهمّ الغايات التعليمية والتربوية المتحققة من التعليم العتيق على مرّ الزمان، وتلك المرجوة منه في هذا الزمن الجاري، كما أشار إلى أهم العقبات التي تواجه عصرنة التعليم العتيق بجزر القمر، مقترحا سبلا للتخلص منها وتجاوزها، فهي لا تزال مرشحة لأداء دورها النبيل الفريد مجددا، لكن بعد تقويتها بمعطيات العصر ومدّها بمتطلباته، لتظل معاقل واقية وحصونا منيعة، تحول دون السقوط في متاهات سحيقة، أو الذوبان في بوتقة ثقافات شعوب وقبائل أهل الأرض
وكان المحور الثاني من الندوة عن: التعليم العتيق بالمملكة المغربية: تاريخه، واقعه وآفاقه، وكان العرض الأول فيه لفضيلة الفقيه الدكتور اليزيد الراضي، رئيس المجلس العلميّ المحلي لتارودانت، حيث تحدّث عن التعليم العتيق في المملكة المغربية قديما، بين في ورقته الدور المحوري "للفقيه"، حيث كان أهل المدينة والقرية يتعاقدون معه على عمارة المسجد والمدرسة، بتعليم الناشئة، وبالإمامة والخطابة، مقابل أجر معلوم يلتزم به السكان المحليون، ما دام المعلم متمتعا بأربع كفاءات، هي: الكفاءة العلمية، الكفاءة الدينية، الكفاءة الخلقية، الكفاءة التربوية
وقدّمت الدكتورة نجيبة أغرابي، رئيسة قسم تسيير مؤسسات التعليم العتيق بمديرية التعليم العتيق ومحو الأميّة بالمساجد بوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية المغربية، تقدّمت بورقة بعنوان: "التعليم العتيق بالمملكة المغربية في الوقت الراهن"، وقد أشارت إلى العناية القصوى التي توليها المغرب للتعليم العتيق، حيث ورد في الميثاق الوطني للتعليم والتكوين الصادر سنة 2000، في المادة 88 منه، ما يلي: "ضرورة العناية بالكتاتيب القرآنية والمدارس العتيقة وتطويرها، وإيجاد جسور لها مع مؤسسات التعليم العام". كان هذا هو الإطار الشرعي للبناء القانوني والمؤسساتي للتعليم العتيق، وتنفق عليه الدولة بسخاء كبير
أمّا العرض الأخير فكان من نصيب الدكتور عبد اللطيف العلمي، المكلف بتسيير معهد فاطمة الفهرية بفاس، بعنوان: "تجربة الدراسة بمعهد فاطمة الفهرية وجامع القرويين" وقد تطرق في ورقته إلى آفاق الخريجين والوظائف والمهام المرتبطة بالحقل الديني، مثل: الإمامة والخطابة الوعظ والإرشاد، وتأطير الأئمة في برنامج ميثاق العلماء
والكتاب متوفر بأعداد وفيرة لدى المؤسسة في مقرّها الأمّ بمدينة فاس المحروسة، وبأعداد محدودة لدى مكتب فرع المؤسسة بموروني. يذكر أنّ الوفد المغربي المشارك في الندوة كانت برئاسة الأستاذ محمد نجيب بنبين، أحد خبراء المؤسسة المرموقين، وهو دبلوماسي مغربي سابق
بقلم/الدكتور نور الدين باشا
الأستاذ المشارك بقسم اللغة العربية
كلية الإمام الشافعي، جامعة جزر القمر