إعداد/ محمد أحمد ممادي  ✍️

ويأتي إحياء هذه المناسبة، التي أقرتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، ضمن فعاليات الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية، التي نظمتها كلية الإمام الشافعي للعلوم العربية والإسلامية بجامعة جزر القمر، وبالتعاون مع سفارة المملكة العربية السعودية في موروني خلال الأسبوع الماضي، تأكيدًا على مكانة اللغة العربية بوصفها إحدى اللغات الحضارية الكبرى، ورافدًا أساسيًا من روافد الفكر الإنساني، ووسيلةً للتواصل والحوار بين الشعوب

وحضر الحفل، الذي أُقيم عصر أمس الثلاثاء 23 ديسمبر الجاري بقاعة المحاضرات الكبرى، كلٌّ من وزير التربية الوطنية والتعليم والبحث العلمي، بكر مفولانا، وسفير خادم الحرمين الشريفين لدى البلاد، محمد بن غرامة الشمراني، ومدير جامعة جزر القمر، الدكتور إيبورا علي طبيب، وممثل سفارة دولة الإمارات العربية المتحدة في موروني، خالد البلوشي، ومستشار رئيس الجمهورية للشؤون الدينية، عبد الله يحيى، وعميد كلية الإمام الشافعي، الدكتور طاهر إبراهيم مواسي، ومدير مكتب رابطة العالم الإسلامي في موروني، يوسف مدوهومى، ورئيس قطب الشؤون الدينية بالأمانة العامة للحكومة، الدكتور سعيد برهان عبد الله، ورئيس الديوانية الحمدية للثقافة العربية في جزر القمر، الدكتور حامد كرهيلا، ومنسق الوكالة التركية للتعاون والتنسيق "تيكا"، غياث الدين قراتيب، ورئيس مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة فرع جزر القمر، الدكتور عبد الحكيم محمد شاكر

العربية... لغة هوية ومعرفة

وفي كلمته بالمناسبة، أكد مدير جامعة جزر القمر الدكتور إبورا علي طبيب أن الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية يتجاوز الطابع الاحتفالي إلى كونه محطةً فكرية وثقافية لتجديد الوعي بأهمية العربية ودورها في بناء الإنسان والمعرفة. وأوضح أن اللغة العربية أسهمت، عبر تاريخها الطويل، في نقل العلوم وصياغة الفكر الإنساني، وكانت رافعة للتنمية العلمية والمؤسسية

وأشار إلى أن اللغة العربية في جزر القمر ليست حضورًا شكليًا أو خيارًا ظرفيًا، بل تمثل أحد الأعمدة التاريخية للهوية الوطنية، حيث كانت لغة الدولة في عهد السلاطين، وبها كُتبت المعاهدات التاريخية، وهي اليوم إحدى اللغات المعتمدة دستوريًا، وركيزة أساسية للهوية الثقافية والروحية للشعب القمري

وأضاف أن جامعة جزر القمر اعتمدت منذ تأسيسها خيارًا استراتيجيًا داعمًا للغة العربية، معتبرًا إياها لغة علم وابتكار وحداثة، وليست مقتصرة على بعدها الديني، رغم مكانته الرفيعة. وأبرز الجهود المبذولة لتعزيز التعليم الجامعي والبحث العلمي باللغة العربية، وتوسيع الشراكات الأكاديمية مع الجامعات والمؤسسات العلمية في العالم العربي

وثمّن مدير الجامعة الدعم المتواصل الذي تقدمه سفارة المملكة العربية السعودية في موروني، لاسيما في ما يتعلق بجهود اعتماد جامعة جزر القمر لدى وزارة التعليم العالي السعودية، معتبرًا ذلك إنجازًا استراتيجيًا يفتح آفاقًا واسعة للتعاون الأكاديمي، وتبادل الأساتذة، والحركية الطلابية، والتعاون البحثي

العربية لغة عالمية

من جانبه، أكد سفير خادم الحرمين الشريفين لدى موروني محمد بن غرامة الشمراني أن اللغة العربية تُعد وعاءً للحضارة الإنسانية، ولغةً عالمية حملت رسالة الإسلام وقيم العدل والتسامح والسلام، وأسهمت في بناء العلوم والمعارف الإنسانية في مجالات متعددة، من الطب والفلك إلى الأدب والفلسفة

وأوضح أن المملكة العربية السعودية أولت اللغة العربية عناية خاصة، انطلاقًا من مكانتها الدينية والحضارية، وتجسّد ذلك في مبادرات نوعية، من أبرزها مركز الملك سلمان العالمي للغة العربية، الذي يضطلع بدور محوري في نشر العربية عالميًا، ودعم تعليمها، وتعزيز حضورها في البحث العلمي والتقنيات الحديثة، إلى جانب الدور الريادي لـ"جائزة الملك فيصل العالمية" في تشجيع البحث والتأليف في مجال اللغة العربية وآدابها

وأشار السفير إلى أن اعتماد اللغة العربية لغةً رسمية في الأمم المتحدة عام 1973 شكّل محطة تاريخية مهمة، وأسهم في تعزيز حضورها في المحافل الدولية، وهو ما جعل من 18 ديسمبر يومًا عالميًا للاحتفاء بها. كما أشاد بالدور الذي تضطلع به جامعة جزر القمر، وكلية الإمام الشافعي، في تأهيل الشباب القمري ونشر اللغة العربية في الأوساط الأكاديمية والثقافية، ليس على المستوى الوطني فحسب، بل في منطقة شرق أفريقيا عمومًا

وقال السفير الشمراني "إنّ احتفاءنا اليومَ باللغةِ العربيةِ هو احتفاءٌ بالماضي العريق، واستثمارٌ في الحاضر، ورهانٌ على المستقبل. وهو دعوةٌ صادقةٌ إلى الأجيالِ القادمةِ للتمسُّك بلغتِهم، وتطويرِها، وتوظيفِها في ميادينِ العلمِ والتقانةِ والابتكار، لتظلَّ لغةً قادرةً على مواكبة العصر، وصناعة المستقبل

التزام حكومي بتعزيز العربية

بدوره، أكد وزير التربية الوطنية بكر مفولانا أن اللغة العربية تحتل مكانة تاريخية راسخة في وجدان المجتمع القمري، وفي نظامه التعليمي والثقافي، مشيرًا إلى أنها كانت ولا تزال لغة العلم الديني والتعليم التقليدي، وجسرًا للانفتاح على العالم العربي والإسلامي

وأوضح الوزير مفولانا أن وزارة التربية الوطنية تلتزم، انسجامًا مع توجهات اليونسكو، بتعزيز تعليم اللغة العربية، وتحسين تكوين المعلمين، وتشجيع البحث العلمي، وإدماج اللغة العربية في الوسائط الرقمية والتقنيات الحديثة، بما يواكب متطلبات العصر. ووجّه رسالة إلى الطلبة، داعيًا إياهم إلى الاعتزاز بلغتهم وإتقانها، معتبرًا أن الحفاظ على اللغة العربية هو حفاظ على الهوية، وفي الوقت ذاته بوابة للانفتاح الواعي على الثقافات الأخرى

واختُتمت الفعالية بالتأكيد على أن الاحتفاء باللغة العربية هو استثمار في الإنسان والمستقبل، وتجديد للعهد مع هوية ثقافية منفتحة، قادرة على التفاعل مع التحولات العالمية دون التفريط في أصالتها. كما شدد المشاركون على أهمية تضافر جهود المؤسسات الحكومية، والجامعات، والبعثات الدبلوماسية، والمجتمع المدني، من أجل ترسيخ مكانة اللغة العربية، وتعزيز حضورها في التعليم، والإدارة، والبحث العلمي، بوصفها ركيزة للتنمية والحوار الحضاري

كما اختُتمت فعاليات الحفل بتسليم الجوائز للطلاب الخمسة الفائزين في المسابقة الشعرية، التي نُظّمت ضمن الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية، بمشاركة 25 طالبًا وطالبة، إلى جانب تكريم سفير المملكة العربية السعودية، محمد بن غرامة الشمراني، تقديرًا لجهوده في إنجاح هذه الفعالية، ودوره في دعم وتعزيز تعليم اللغة العربية والعلوم الإسلامية في البلاد