لقد كان الشيخ محمد قاسم، رحمه الله، واحدًا من شموس العلم الساطعة، وركنًا من أركان الهداية في هذه الأمة. مصابه فاجعة، وفقده ثلمة لا يسدها شيء، كما أخبر نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم بقوله: إنَّ الله لا يَقبِضُ العلمَ انتزاعًا، ولكن يَقبِضُ العلمَ بقبض العلماء، حتَّى إذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فأفْتَوْا بغيرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وأَضَلُّوا
فموت العلماء موت للعقل، وذهاب للنور، وانطفاء للمصابيح التي بها تُهتدى السبل في زمن الظلمة والاضطراب. كيف لا، وقد كان الفقيد مثالًا في الزهد والتقوى والورع، علمًا وخلقًا وسلوكًا، مربّيًا وعالمًا وداعية، عاش بين الناس معلِّمًا ومرشدًا، وجمع حوله القلوب والعقول على محبة الله، وعلوم الوحي، وخلق السلف
لقد كنتَ يا شيخنا الجليل، مدرسةً قائمةً بذاتها. ما جلست مجلسًا إلا وأنرتَ فيه العقل، وحركت فيه القلوب، وأقمتَ فيه شرعة الهداية. جمعتَ بين التفسير والفقه، والفرائض والعقيدة، وكان حديثك مشبعًا بالحكمة، وتوجيهك مملوءًا بالرأفة. كنتَ أبًا للتلاميذ، ومعلّمًا للأجيال، ومصدر عزّ لمن عرفك
لقد خدم الشيخ، رحمه الله، العلم والتعليم بصمت وتواضع، بعيدًا عن الأضواء والمباهاة، وكان موضع محبة وتقدير خاص من تلاميذه وطلابه، وأنا ممن تشرف بخدمته وملازمته، وكان ذلك من أعظم نعم الله عليّ، بل تاجًا أضعه على هامتي
كم كانت اللحظة مهيبة، حين ازدحمت مقبرة مدينة تسِيجِيهْ بمحبيك، من كل المدن والقرى، أتوا بقلوب دامعة، وخطى حزينة، يودّعون جسدك الطاهر، ويشهدون لك بخير، ويأخذون العزاء فيك وكأنك والدهم جميعًا. لقد تركتَ في قلوبهم جميعًا بصمة لا تزول، وذكراك الطيبة ستظل خالدة ما داموا أحياء. نسأل الله أن يتغمدك برحمته، ويرفع مقامك في جنات الخلد، وأن يجبر مصابنا ومصاب الأمة كلها فيك
العزاء موصول إلى كل محبي الشيخ وطلابه، وفي مقدمتهم: فخامة رئيس الجمهورية غزالي عثمان، سعادة الدكتور محمد باجرفيل، أهالي مدينة تسِيجِيهْ، العلماء والدعاة والأئمة وطلبة العلم، وسائر أبناء الشعب القمري، والعالم الإسلامي أجمع
سلام عليك في الآخرين، وسلام عليك في الصالحين، وسلام عليك وعلى سلفك الطيبين، في جنات النعيم، إن شاء الله رب العالمين
كتبه: تلميذك الخسير وخادمك الوفي
زيد محمد رشاد