أولاُ: فكرة إنشاء المجلس العالمي للتسامح والسلام
تسعى الأمم في كافة أرجاء المعمورة إلى تحقيق الأمن والسلام والاستقرار والسعادة لكافة البشر بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الأصول أو العقائد أو الديانات، وعلى الرغم من الجهود المبذولة لمنع نشوب النزاعات والصراعات الدولية والإقليمية، إلا أن المجتمع الدولي شهد تزايدا مطردا للنزاعات الدولية والإقليمية التي نشبت خلال العقود الماضية وراح ضحيتها ملايين البشر في مختلف أنحاء العالم
ولبناء سلام حقيقي ومستدام تنعم به البشرية يجب أن لا يتم حل هذه المشكلات المتصاعدة من خلال اللجوء إلى العنف أو استخدام القوة العسكرية التي تضاعف من تعقيد وتأزم تلك الصراعات، ولكن الحل الأمثل يكمن في نشر ثقافة التسامح بين الشعوب وكذلك بين الدول، وتبني سياسة القوة الناعمة التي أدركت أهميتها بعض الدول وأخذت بها وأصبحت تنادي بها عالميا
ولما كانت نظرة الحكماء والعقلاء حول العالم تدعو لعمل دولي مشترك، يسعى لنشر ثقافة التسامح والتعايش السلمي، وإعلاء القيم الإنسانية السمحة، ودعم نقاط التقارب بين الشعوب، واتساقا مع توجهات الأمم المتحدة المعاصرة، التي ترى أن التسامح والسلام ضرورة ماسة، نادى بها الأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو جوتييرز في عديد من المحافل الدولية
نشأت فكرة (المجلس العالمي للتسامح والسلام) كنافذة وفضاء دولي ومنبر عالمي معني بمقاصد التسامح ونشر السلام والأهداف الإنسانية السامية، كمنظمة دولية تعتمد مبادئ الديمقراطية وتتخذ من القانون الدولي والمواثيق الدولية منهجا لعملها. ولقد تم إطلاق المجلس العالمي للتسامح والسلام في مالطا برعاية رئيس الوزراء المالطي جوزيف موسكات، بتاريخ 2 نوفمبر 2017، وتوقيع اتفاقية المقر والحصانات مع الحكومة المالطية بتاريخ 25 يوليو 2017 بالعاصمة المالطية فاليتا، وتوقيع اتفاقية التعاون المشترك مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، بتاريخ 12 يوليو 2017، وأصبح المجلس العالمي للتسامح والسلام منظمة دولية مسجلة ومعترف بها دوليا
ثانيا: أهداف المجلس العالمي للتسامح والسلام ومبادئه
يهدف المجلس العالمي للتسامح والسلام إلى: إعلاء قيمة التسامح ونشر ثقافة السلام. مكافحة التمييز والعنصرية والتعصب والتطرف الديني والعرقي والطائفي. إنماء وتطوير قواعد القانون الدولي بما يعزز مبادئ التسامح لتحقيق السلام
ويراعي المجلس العالمي للتسامح والسلام عدة مبادئ أهمها: احترام مبادئ الأمم المتحدة ودعم تحقيق أهدافها، واحترام قواعد القانون الدولي ذات الصلة بعمل المنظمات غير الحكومية، واحترام القوانين الوطنية للدول التي يمارس المجلس مهامه على أقاليمها، كما يعتمد مبدأ إعلاء قدر المرأة والشباب وذوى الإعاقة وتمكينهم من أداء أدوار فعالة على المستوى الداخلي والدولي
ثالثا: تشكيل المجلس العالمي للتسامح والسلام
يتكون المجلس العالمي للتسامح والسلام من أربع أجهزة رئيسية هي: المجلس التاأسيسي وهيئة الرئاسة والجمعية العمومية والبرلمان العالمي للتسامح والسلام
المجلس التأسيسي: يتكون المجلس التأسيسي من شخصيات مرموقة على المستوى الدولي، من ذوي السمعة الطيبة، والمكانة العالية والتاريخ المشرف في مجالات السلام والتسامح. وينتخب المجلس من بين أعضائه، في جلسته الأولى، رئيسا للمجلس العالمي للتسامح والسلام، ويعقد المجلس التأسيسي دورته مرة كل عام في مقر المجلس أو في أي مكان آخر، كما يعقد المجلس التأسيسي دورات استثنائيا في الظروف الطارئة
هيئة الرئاسة: تتكون هيئة الرئاسة من "رئيس المجلس العالمي للتسامح والسلام" الذي تم انتخابه من قبل المجلس التأسيسي، وفريق عمله من معاونين ومستشارين، وسكرتارية، ويمارس رئيس المجلس العالمي للتسامح والسلام صلاحياته واختصاصاته بما يحقق أهداف المجلس، وتنفيذ الاستراتيجية المعنية بالتسامح والسلام، كما يكون الرئيس الممثل القانوني للمجلس العالمي للتسامح والسلام، والمتحدث الرسمي باسمه. وتعنى "هيئة الرئاسة" بإدارة كافة شؤون المنظمة وأجهزتها، وللمجلس العالمي للتسامح والسلام "أمانة عامة" تابعة لهيئة الرئاسة وهي الجهاز الإداري والتنفيذي للمجلس
الجمعية العمومية: تكون عضوية الجمعية العمومية للمجلس العالمي للتسامح والسلام للأشخاص الطبيعيين أو المؤسسات المعنية بالتسامح والسلام، ويمكن التقدم بطلب العضوية لكل من لديه القدرة على الإسهام بفاعلية في جهود تعزيز التسامح والسلام العالمي، سواءً من خلال الجهود البحثية، أو تقديم الرؤى والمقترحات البناءة، أو من خلال العمل الميداني بغض النظر عن الجنسية، وللمجلس الاعتذار عن قبول أي طلب من طلبات الانضمام العضوية. وتعتبر الجمعية العمومية فضاء يجتمع فيه كل المعنيين بالتسامح والأمن والسلام حول العالم، وتعقد سنوياً، وتعنى بدراسة سبل إشاعة التسامح والسلام، وسبل تذليل العقبات التي تواجه تطبيق المعايير المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، ولا تصدر الجمعية العامة للمجلس العالمي للتسامح والسلام أي قرارات ملزمة
البرلمان العالمي للتسامح والسلام: يكون البرلمان العالمي للتسامح والسلام الهيئة النيابية للمجلس العالمي للتسامح والسلام، ويجب أن يكون أعضاءه أعضاء حالين في برلماناتهم الوطنية، ويراعى تمثيل المرأة والشباب وذوي الإعاقة في البرلمان، وينعقد مرة كل ثلاث شهور، وقد يعقد استثنائياً إذا دعت الضرورة، ويناقش البرلمان ما يرفع إليه من مواضيع من قبل الجمعية العمومية وهيئة الرئاسة، كما يناقش المستجدات على الساحة الدولية بما يخص التسامح والسلام، ويصدر بشأنها التوصيات المناسبة
رابعا: العناصر الأساسية للإطار الاستراتيجي للمجلس خلال سنوات عمله الأولى
يسعى المجلس العالمي للتسامح والسلام إلى تحقيق أهدافه عبر إطاره الاستراتيجي ومن خلال خطة تنفيذية تتضمن محورين رئيسيين
المحور الأول: برامج التواصل الدولي، وتهدف إلى تعزيز وجود المجلس على الساحة الدولية عن طريق فتح قنوات اتصال فعال مع المنظمات الدولية الحكومية والدول والبرلمانات والمنظمات الدولية غير الحكومية والشخصيات ذات النشاط البارز في مجال التسامح والسلام، وكبرى الجامعات ومراكز البحوث والدراسات في العالم
التواصل مع المنظمات الدولية سواء كانت إقليمية أو متخصصة وعلى رأسها الأمم المتحدة. فلقد تم البدء بالفعل في اتخاذ خطوات جدية لإبرام اتفاقية تفاهم مع الأمم المتحدة تستهدف تقديم الأمم المتحدة لجوانب الخبرة والدعم الفني والتقني اللازم لعمل المجلس وفقاً للمعايير الدولية ذات الصلة. كما يستهدف المجلس عقد اتفاقات تفاهم وشراكة مشابهة
فتح قنوات اتصال مع مختلف الدول ومؤسساتها الحكومية المعنية بالموضوعات ذات العلاقة بأهداف المجلس
فتح قنوات اتصال مع البرلمانات سواء البرلمانات الدولية أو الإقليمية أو الوطنية، بهدف تعزيز سبل العمل المشترك لما يخدم أهداف التسامح والسلام
تعزيز الاتصال مع المنظمات الدولية غير الحكومية إيمانا بالدور الفعال الذي تلعبه هذه المنظمات على الساحة الدولية
تحقيق التواصل مع الشخصيات ذات النشاط البارز والمعروفة دولياً في مجال التسامح والسلام، وذلك من خلال المواقع التنفيذية التي تشغلها أو شغلتها سابقاً
فتح قنوات اتصال مع كبرى الجامعات ومراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية وذلك اقتناعاً بأهمية دور البحوث والدراسات في التعرف على سبل معالجة قضايا السلام الدولي المعاصرة، والدور الهام الذي يمكن أن يلعبه المجلس في توجيه الدراسات والبحوث إلى معالجة القضايا الحقيقية التي يرصدها المجلس، من خلال وجوده واحتكاكه المباشر على أرض الواقع
المحور الثاني: تفعيل آليات القوة الناعمة، سيعمل المجلس على تفعيل آليات القوة الناعمة بما يخدم مبادئ التسامح وتحقيق السلام في العالم، من خلال
عقد مؤتمرات دولية دورية وفقاً للمستجدات الدولية، وبما يخدم التسامح والسلام في العالم
برامج التبادل الثقافي، وتستهدف نشر ثقافة التعايش المشترك ومكافحة التطرف والإرهاب ونبذ العنف وتعزيز القيم الإنسانية بشكل عام وقيم التسامح بشكل خاص
برنامج المنظومة الإعلامية، حيث ينشأ المجلس منظومة إعلامية تساعده على الوصول لمختلف أنحاء العالم بهدف نشر ثقافة التسامح والسلام
فتح مكاتب إقليمية في خمس دول يتم اختيارهم بشكل يسمح للمجلس بالانتشار الجغرافي الواسع ويمكن المجلس من تنفيذ عمله بشكل أكثر كفاءة