فهذا اليوم يصبح في الأذهان حجرا منقوشا، نمت فوق ترابها أفكار، هي أشجار أينعت ثمارها ويضرب جذورها رامية بعيدة راسخة في أرض وطنيتها. فمنذ ذلك اليوم يستشعر القوم بحرية كاملة لإنسانيتهم، فقد أصبحوا أحرارا يملكون أنفسهم، ويفكرون بأذهانهم وينطقون بألسنتهم. لهم وطن يشمل الأراضي بكل معادنها، وبحار وما حوتها الأمواج وأعماقها، في حدود متعارف دوليا، مرسومة بين الدول المجاورة، يحق لشعب هذا الوطن التقلب والتنقل فيه من أجل الاستيطان والبحث عن حياة أفضل والاستفادة من نوعيات التفكير
فكلما انتقل المرء من مكان إلى آخر، يتولد في ذهنه الاختلاف بين الأشياء والأفكار، والتفاوت بينها في الكيفيات والحيثيات في سير الأمور، فيأخذ بما يناسبه، كذلك النظر إلى الأشياء يعود إلى العقل المختبر بنتائج لا تتوافق دائما، بل لابد من الاختلاف عن الواقع أو كثيرا ما يكون اختلافه عن المشهود الملموس، وهذا ما ينمي العقل ويسبب النهوض. وهنالك من الناس من يستحبون الانتقال إلى مكان آخر للاستكشاف وأخذ المستفاد، وهذا غير منبوذ بعكس المستعمر، ففي تجواله وترحاله بين دول العالم لزرع الفتن وغرس النيات السيئة، يرسخ في قلوب الشعب نوايا الاختلاف بلا ائتلاف
ووضع مبادئ سيئة تبعث أفكارا وتعبث بعقول المثقفين، متفرنسين وغيرهم، وهؤلاء قد حملوا اسما بلا مسماه، فهم بالأصل لم ينتفعوا بعلوم مدارسهم وجامعاتهم تقريبا، بل أظهروا لنا ضعف التفكير والاختراع والبحث عن الأسباب والحصول على الأنسب المتواطئ بالطبيعة، وعنادا لم نكن نتوقعها في كل جوانب المجتمع وخاصة فيما يتوقع منهم في حمل مسئولية البلاد فكريا وعمليا، وهلم جرى
فبناء البلاد يحتاج إلى عوامل كثيرة منها الفداء ومعرفة الأوليات، وأنك مهما ارتفعت مقاما وتوليت مناصبا فلا تساوي شبرا من أراضينا، إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآبائكم وقد تكون فاقدة المضمون فتصبح فارغة، وهذا الكلام مجرد تحذير لمن يبادر مهرولا مسرعا لتولي مناصب هذه الدولة التي غرقت في أعماق الخسران وما زالت تائهة في نهاية حدود صحراء الخذلان فهي حين يتحول يمينا وشمالا فمن أجل البحث عن منقذ
فنحن: شعب الانتظار المكتوف الأيد المغلوب على أمره سئمنا، وازداد فينا البغض من هذه الميكانيكية الطائشة التي تبالغ في البعد عن الحقائق الواقعية في تصريف شئون البلاد، والمكافآت الغليظة قدرها، وأخرى تشبه بطالة لا تغني عن جوع ولا عطش، لا يكون حاله مغايرا لمن استحبوا البقاء بلا عمل التي لا ترثي قناعا
والعجب كل العجب أن قوما لبسوا مظاهر وطنية بالحب والفداء بهذا الوطن للالتباس والعبث بالمراد، ونحن نتربص بهم ونسألهم، وهم إخواننا في الدين ودنيانا، وحتى السياسة التي أنشأناها معا في وضع المسيرة، وليس لنا في ذلك خيار -قدر الله وما شاء فعل- ولكن ليس ذلك ما يتمناه المرء
ألم يأتكم يوم نبأ الذين بدلوا نعمة الله كفرا ؟ ألم يأتكم يوم يقف الحق أمامكم فتباشروه وتنصروه وتستبشرون لرؤيته وتعاهدونه، أنكم سترمون ظلم الشعب بعيدا، وتعاملونه دوما بالخير والوفاء، وهل من يوم تاريخنا هذا الموافق بيوم استقلالنا يوم حريتنا وشرفنا الأعظم يجوز للشعب أن يفرح ويشرح صدرا لطمع قادم ويكون له حق للأمل وينظر إلى المستقبل المشرق، مهنئا تطلع فيه شمس الحرية، يحس المرء فيه أنه جزء من أفراد مجتمعه يشمر ويكافح ويتصبب عرقه من أجل بلاده في تقدمه وتطوره ؟
لينهض حكامنا بدولتنا الحبيبة الزهراء ويأخذوا بالزمام، فقد طال الأمد ونحن نعاني معيشة ضنكا، لا تساوي أبدا تعليمنا للأولاد ولا حياتنا الصحية ولا هي قادرا ولا كافيا للقيام بحياتنا اليومية، وما نعيشه اليوم من حروب وإهلاك للبشرية واليد العاملة للمعادن والمنتجات وحرق للأراضي سبب كبير للنهوض والانتباه، وبذل الجهود الرامية إلى حفظ الشعوب، وهذا ما يقوم به الدول تركت العهود الكاذبة ورمي الغبار في عيون الشعب، وهم يعانون من غلاء المعاش والمكافآت الضئيلة نحن بحاجة إلى انتباه وجدية الفكر، وعدم الغفلة أو التغفل عن مجريات الأحداث. نرجو من المولى أن يبسط يديه لدولتنا، ويرد قدمي خائن لدولتنا إلى عنقه، ويشد بذراعيه إلى رأسه، ويظل هكذا جالسا إلى الممات. حفظ الله رئيسنا من كل سوء
كان قصدي في هذه الكليمات التي أوجهها إلى إخوة لي حكاما ورعية، بدايات نهضة شعب أخذ استقلاله من يد مستعمر، وحتى لا يستعظم آخرون من بينهم يستولون كراسي الحكم، يديرون شؤون معيشة الشعب، فيتحول ذلك إلى تغطرس وتكبر وتعاطف مع أقارب وزملاء، فذلك من عيوب الحكم ومآخذه
وقد استبشر الشعب لحياة أفضل بعد الخطاب الذي ألقاه فخامة الرئيس في شموليته لجميع جوانب الحياة، كالحماية والرعاية والاحتراز من الأمراض والمجاعة والفقر، ومقاومة الجهالة وتضييق دائرة البطالة ويقل من الاعتداء بين الأفراد، وسد بباب الخصومات والمطاولة على الأعراض، وعسى أن يساعد ذلك الاهتمام برد الحقوق إلى أصحابها، فيرضى الفرد فيعطى حقه دون تنقيص، ويكون هذا قليل من كثير ينتظر فعله من أجل التمثيل بشرعية حقوق الإنسان، والله ولي التوفيق
الموجه التربوي
عبد الله عبد الله عبد الوهاب